بحث

هل هو صراع النيل الأزرق وحدها أم صراع قارة؟

توطئة: عادة ما تتطلب الكتابة في المقالات كما يخبرني المحترفون ولست أحدهم أن تكون المقالات بسيطة وفي حدود ما لا يتعدى الألف كلمة، ولكني في هذا اليوم أستميح القراء عذرا في أن أطيل لأسباب: أولها: إنها النيل الأزرق الإقليم الذي أحب ووجدت جدي يحب، حيث اختار أن يستقر فيه بعد أن نزل المعاش الحكومي، علما أنه في ذلك الوقت لمن يكن لدينا فيها امتداد أسري، ولكنه فضل أن يستقر هناك رغم أنه عمل وتنقل في كل ربوع السودان تقريبا وأبداه على أن يعود ليستقر في قريته في الأطراف الشمالية أو حتى مكان دراسته وبداية عمله في المركز. النيل الأزرق تلك المنطقة التي احتضنتني بنيلها وشرقها وغربها وقراها من ود الحداد حتى بدوس ومينزا، إنها أرض المجتمعات السمحة التي تقبل كل غريب وتحتضن كل الناس يستمتعون بخيراتها ويتكاثرون فيها، تلك المنطقة التي تسلب اللب بجمالها وسماحة إنسانها وتحمل بين طياتها كل الموارد التي يلهث وراءها الجميع من أراض زراعية لثروة سمكية ومعادن. وثانيا: إن ما يدور في النيل الأزرق اليوم ليس معضلة النيل الأزرق وحدها، إنما هو معضلة كل أو معظم مناطق ما بعد الاستعمار في كل العالم، وقد وجد الاسلاميون الجرح وحرصوا أن يكون مفتوحا وملتهبا ليخدم أغراضهم دوما، فواصلوا في سياسات التفرقة وخلق الاضطرابات المجتمعة وتجريف المجتمعات المحلية للسكان الأصليين في كل أرجاء السودان بما يخدم مصالحهم أو ما سمي بمشروعهم الحضاري الذي أثبت التاريخ فشل نظريته وتطبيقه معا. من هو المواطن ومن هو الغريب ؟ في الحقيقة تصطدم أي محاولة للكتابة عن السكان الأصليين بصعوبات تتعلق بالأعداد والحجم حتى مصطلح (مواطنين)، يصعب فهمه على سبيل المثال، الأفريقي الذي بسبب التأثيرات الاستعمارية على القارة وحركة الاستعباد التي رعتها الدول الاستعمارية داخل القارة وخارجها، هذا الشخص الذي انفصل عن قبيلته وعاش لسنوات أو عقود كعامل في مزرعة حديثة أو في شركة صناعية حديثة في إطار مالي حضاري، هل يعتبر (مواطناً)؟ سوف يجيب عالم الإنسان بنعم، ووقد يرد العالم الاقتصادي والاجتماعي بلا. حاولت منظمة العمل تعريف مصطلح (مواطن). يقرأ التعريف: “السكان الأصليون لبلد ما هم أحفاد السكان الأصليين الذين سكنوا بلدًا معينًا وقت الاستعمار أو الغزو والذين لا يزالون يعيشون اليوم وفقًا للمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في فترة ما قبل الاستعمار، وليس الذين استوعبوا فيه لدمج ثقافة الأمة التي ينتمون إليها ”. هذا التعريف قد يكون مقبول أن بدأ تاريخ الإنسانية بحركة الاستعمارات الحديثة للدول الأوروبية أو إذا انطبقت عملية الاندماج المجتمعي كما تم ذكرها، ويكفي أن نقول إنه في الغالب، أو على الأقل في كثير من الأحيان، لم يكن الأمر متروكًا للسكان الأصليين أنفسهم للتكيف مع ثقافة (واقتصاد) الأمة “التي ينتمون إليها”، عادة ما كانت فرص الاندماج ضعيفة للغاية وكانت الصعوبات الاقتصادية والجغرافية أكبر من دمج القبائل الأصلية. حيث غالبًا ما تم منع السكان الأصليين في المناطق الاستعمارية من الاندماج (على الأقل حتى الحرب العالمية الثانية) مثالا إغلاق مناطق الجنوب في السودان. حيث كان للمستعمر مصلحة في وجود طبقة عاملة كادحة معزولة، في مستودع تجنيد للعمالة الرخيصة، محرومة من جميع الحقوق الاجتماعية والديمقراطية، مجردة من الكرامة الإنسانية – والتي جعلت رعايتها الطبيعية مجرد “مادة بشرية” مناسبة للقوات المحلية وأكبر علامة تاريخية تدل على ذلك هي تحركات المستعمر وسياساته عقب مجاعة 1888\1889 او ما يسمى محليا لدينا بمجاعة “سنة ستة ” نسبة للعام الهجري 1306 هجري، حيث أن التركيبة السكانية للسودان تحديدا اختلفت اختلافا كبيرا جدا بسبب الهجرات منه بسبب المجاعة وإليه بسبب حاجة المستعمر لليد العاملة في المشاريع التي ابتدرها عقب أن استقر الوضع له في السودان، فبنفس القدر الذي أحضر به مجموعات من مستعمراته الأخرى فتح الباب أيضا لبعض الهجرات من بعض دول الجوار لملء ذلك الفراغ. ومع ذلك، فإن التعريف لا يفعل الكثير لإزالة الضباب الذي يخيم على القوة العددية للمجموعة الأصلية وتوزيعه، حيث أن معظمها تقريبًا تقديرات، ولا يوجد لدى أي من هذه البلدان تعدادات موثوقة وقتها أو الآن. إن إرث الإمبراطوريات الاستعمارية على مر التاريخ الأفريقي يشمل حقيقة أن المجتمعات منقسمة بشدة إلى مجموعات من السكان الأصليين، وأحفاد المستوطنين الأوروبيين وقبلهم العرب والوسط آسيويين، وأحفاد المستعبدين الأفارقة الذين تم نقلهم من مكان إلى آخر ضمن القارة نفسها. ومن الناحية السياسية، ظلت أفريقيا وفي نظر العديد من المحللين، قارة فاشلة، حيث لا يزال من الممكن العثور على أفقر عشرة بلدان في العالم فيها اليوم. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فأفريقيا تبلغ ثلاثة أضعاف حجم أوروبا، وهي جزء من عالم شديد التنوع هناك أكثر من 3000 مجموعة عرقية، يتم التحدث بأكثر من 2000 لغة. الدولة ومعضلة الولاء: أفريقيا هي أكثر من خمسين بلدا، ولكل منها سير ذاتية وطنية مستقلة جدا ومصائر استعمارية فردية بنفس القدر، اعتمادا على الموقع الجغرافي والقوة الاستعمارية ومدة الهيمنة. ومع ذلك، يبدو أن بعض أنماط المشاكل آخذة في الظهور “ينطبق الكثير منها أيضا على صراعات الحواكير والعموديات في السودان بكل أرجائه “. ولا يزال العديد من بلدان ما بعد الاستعمار في أفريقيا يفتقر إلى دعم سكانها تاريخيا، هذه الدول هي أيضا كيانات مصطنعة وأجنبية هذه حقيقة يجب مجابهتها فلم تكن حدود السودان هي نفسها طيلة المائة عام الماضية ولا النسب إليه هو نفسه. حيث كانت معظم المجتمعات الأفريقية تتبع النموذج السياسي للحكام الاستعماريين، بأراض موحدة وحكومة مركزية، مع دساتير وقوانين للعدالة، والبيروقراطية، والعملة وحتى أشكال الأجهزة العسكرية، وللأسف أيضا مفهوم الوطنية. كان هذا جديدا على السكان المحليين، في السابق كانت المجتمعات منظمة كجماعات صغيرة من الناس أو الإمبراطوريات ما قبل الحداثة حول حاكم، ولكن دون أراض محددة بوضوح. ولذلك، كان تكييف النموذج الأوروبي صعبا منذ البداية خاصة في المناطق الريفية والسكان الأكثر فقرا، كان الشك تجاه الدولة (ولا يزال) كبيرا، كما كان أداة قمعية للسادة الاستعماريين وأصبح أداة في يد من خلفوهم من النخب الحاكمة مما نمى الانتماء للقبيلة أو العرق. لماذا يجب على المرء أن يظهر ولاء خاصا لهذا الكيان المسمى دولة ؟ وهو لا يقدم للشخص في ذاته أي توازن مجتمعي مقارنة بما تقدمه القبيلة ؟ إن ما كان مفقودا في هذه المعادلة هو مفهوم أشبه بالمجتمع المدني من حيث التفكير والعمل الذي يحافظ على دولة ديمقراطية في الحياة اليومية للإنسان. بالإضافة إلى ذلك، لم تعمل الدول الجديدة بشكل جيد منذ البداية رغم ترك الحكام الاستعماريين وراءهم إدارات، ولكنها كانت في كثير من الأحيان بدائية فقط، لأن تنظيم أقاليم ما وراء البحار كان يجب أن يكون دائما اقتصاديا قدر الإمكان حتى لا تثقل كاهل (البلدان المستعمرة) ماليا. وقد استندت إلى التعاون مع النخب المحلية، التي كانت واحدة من الركائز العظيمة للحكم الاستعماري وبعد تحقيق الاستقلال، واصلت الحكومات الجديدة هذا النظام، وبالتالي استمرت في الاعتماد على الشبكات الشخصية والأقارب والأصدقاء والمؤيدين المخلصين. وكان هذا ضروريا في كثير من الأحيان حسب مفهومهم للحكم حتى يتمكنوا من قيادة الدولة الجديدة، ولكن نتج عنه الانتقال إلى الفساد والمحسوبية المدمرين للدولة. ما بعد الاستعمار والصراعات: وهكذا كانت مسألة وقت فقط قبل أن ينجرف العديد من البلدان الفتية إلى الأزمات السياسية في البداية، كان لدى جميع دول ما بعد الاستعمار تقريبا في أفريقيا مراحل حكم شبه ديمقراطية، ولكن في مواجهة المشاكل الاقتصادية وفشل الحكومات الجديدة الفاسدة، سادت أنظمة الحزب الواحد وأخيرا الديكتاتوريات في العديد من الأماكن في غضون فترة قصيرة. لقد حدث الكثير مع التنغيم الضمني لموسكو وواشنطن فقد واجه المعسكران مشاكل قليلة مع الطغاة، لأنهما كانا يعتبران شريكين مستقرين في الحرب الباردة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ولاء العديد من الأفارقة كان قبل كل شيء لعرقهم، وهذا أيضا كان مرتبطا بالعصر الاستعماري لأن الحكام الأجانب كانوا مهووسين تقريبا بـ (القبائل) الأفريقية. وفي عالم معقد وغير معروف يضم العديد من المجتمعات والعشائر الصغيرة، بدا أن هذه الجماعات تعد الأوروبيين بالنظام من ناحية ومن ناحية أخرى عملت بعض الدول الاستعمارية بنظرية فرق تسد. فهذه الشعوب ذات الشكل اللغوي والثقافي كثيرا ما تكون الخلافات بينها موجودة فعلا، ولكن الحكام الاستعماريين فقط هم الذين أولوا تلك الخلافات أعلى الأهمية، وعمقوها بينهم، أو خلقوا أو عمقوا الأضداد من أجل إنشاء وحدات يفترض أنها محددة بوضوح، التي كان من الأسهل السيطرة عليها، وأيضا للعب مجموعة واحدة ضد الأخرى. وهكذا، لعب الحكام الاستعماريون دورا رئيسيا في حقيقة أن الوعي العرقي في أفريقيا قد ازداد وتحول في كثير من الأحيان إلى عنصرية وعندما أجبرت مجموعات عرقية مختلفة على التجمع في الدول القومية الجديدة – التي اتبعت حدودها في الغالب تخطيط المستعمرات – كان هناك تهديد بالصراعات الداخلية التي أدت إلى الإبادة الجماعية إلى أقصى الحدود. فعلى سبيل المثال، في نيجيريا، التي أصبحت مستقلة في عام 1960 في شمال البلاد عاشت جماعات الفولاني – الهوسا الإسلامية، وفي الجنوب كانت منطقة اليوروبا وبلد الإيغبو، فيما بينهما عدة جماعات عرقية مسيحية جزئيا، وجزئيات مسلمة وفي ظل حكومة مركزية ضعيفة إلى حد ما، سرعان ما ازدادت التوترات بين الجماعات الفردية إلى أن أعلن الإيغبو استقلالهم عبر حرب دموية التي أودت بحياة مليوني شخص الى أن تمكنت الحكومة إجبار المنشقين على العودة إلى الدولة في عام 1970. كان عدد الضحايا كبيرا أيضا في رواندا وهناك، تعمد الحكام الاستعماريون الألمان والبلجيكيون في وقت لاحق تعزيز وتكثيف التناقض بين الهوتو المهتمين بالزراعة والتوتسي المتخصصين في تربية الماشية من خلال اللوائح القانونية والمعاملة التفضيلية، على الرغم من أن المجموعتين لا تختلفان ثقافيا ولغويا. وبعد الاستقلال في عام 1962، تكررت حالات الاضطهاد والمجازر والمذابح بين المجموعتين ومنذ أن سيطر الهوتو على الحكومة، الذين يشكلون 85 في المائة من السكان، حاول المجتمع الدولي إشراك اقلية التوتسي في السلطة في أوائل التسعينات. ولكن رد الفعل كان عنيفا ففي عام 1994، ارتكب الهوتو المتطرفون مذبحة، وقتل نحو 800,000 من التوتسي والهوتو المعتدلين. وفي أغلب البلدان الأفريقية كانت الصراعات الداخلية (ولا تزال) أقل دموية مقارنة بما سبق ذكره من أمثلة، ولكن حتى عندما يطالب زعماء القبائل التقليدية بالسلطة في المناطق الريفية سلميا حتى يومنا هذا، فإنها تضعف سلطة الحكومات المركزية. جذر الأشكال الاقتصادي: بيد أن أكبر مشكلة في دول أفريقيا ما بعد الاستعمار هي ضعفها الاقتصادي، ولا تزال التفاوتات في الفقر والثروة صارخة في العديد من مناطق القارة، وهذا أيضا يشكل إلى حد كبير إرثا من الحكم الاستعماري الأجنبي الأوروبي. كان التوجه الاقتصادي للمستعمرات واضحا، وكان أحادي الجانب فقد كانت الأقاليم التابعة تزود السوق العالمية بالمواد الخام، وبالتالي تستورد المنتجات الصناعية النهائية من الغرب، ولم تنشأ صناعة منفصلة لتلبية احتياجات البلد. كانت الهياكل الاقتصادية لدول ما بعد الاستعمار مشابهة جدا لتلك التي كانت في الحقبة الاستعمارية وتزامنت مرحلة الذروة من إعلانات الاستقلال نحو عام 1960 مع فترة من الازدهار الاقتصادي العالمي. وكان الطلب على المواد الخام مرتفعا ولا يزال في ازدياد، فبدا لهم أن الاستمرار في الاعتماد على التوجه الاقتصادي القديم معقول. كما دعمت القوى الاستعمارية السابقة ذلك، وكان مفيدا لها فقد تدفقت أموال التنمية في المقام الأول إلى استخراج المواد الخام ورغم وجود نهج للتصنيع في بعض البلدان، فإن الاستثمارات تتم أساسا في مشاريع مرموقة واسعة النطاق تنتج بشكل غير اقتصادي وسرعان ما أصبحت التكنولوجيا التي تنتجها عتيقة. ولكن هذه السياسة أدت إلى كارثة ومع الأزمة الاقتصادية في سبعينيات القرن العشرين، حدث انحدار في الاقتصاد العالمي، وتضررت الدول الأفريقية بشدة، وخاصة التي تعتمد على التجارة العالمية. وانخفض الطلب على المواد الخام، وانخفضت الأسعار وفي الوقت نفسه، كانت القروض مغرية، ويبدو أنها كانت مناسبة في أوقات للحكومات، وهكذا بدأت أزمة الديون الأفريقية وفي عام 1996، استخدمت جميع المعونات الإنمائية المقدمة إلى القارة لخدمة ديون البلدان وحدها. ومنذ ذلك الحين، ظلت بلدان أفريقية كثيرة عالقة في حلقة مفرغة فالأداء الاقتصادي الضعيف يتبعه القليل جدا من استثماراتها، والقليل جدا من صناعتها الخاصة، والقليل جدا من النمو المستدام، فالعديد من الناس يبحثون منذ أمد بعيد عن مصدر رزق يتجاوز الأسواق الرسمية على أي حال فأكثر من نصف الناس في العديد من المدن الكبرى يعملون دون تسجيل وظائفهم على الإطلاق، وبالتالي أيضا من دون دفع الضرائب واشتراكات الضمان الاجتماعي. وهذا بدوره له تداعيات مأساوية من نقص الإيرادات الضريبية التي تشل القطاع العام، والبلدان لا تستطيع أن تقدم سوى القليل للمواطنين، وتعب الدولة لا يزال قائما. فأصبحت الدول ضعيفة، والاقتصادات ضعيفة مع هذه المشكلة المزدوجة على وجه التحديد، ظلت العديد من البلدان الأفريقية تعتمد على القوى الاستعمارية السابقة فعلى سبيل المثال، طبقت فرنسا معاهدات بشأن مستعمراتها الأفريقية تحظر على غابون البحث عن شركائها التجاريين لبعض المواد الخام، فقد ضمنت باريس احتكار “المواد الخام ذات الصلة بالتسلح”، التي يحظر تصديرها إلى بلدان أخرى (لأسباب استراتيجية). وحتى يومنا هذا، يشتري الفرنسيون موارد مرغوبة مثل اليورانيوم في مستعمراتهم السابقة أقل كثيرا من أسعار السوق العالمية. وفي الوقت نفسه، تندفع دولة جديدة إلى السوق الأفريقية فالصين تستثمر المليارات هناك منذ ما يقرب من 20 عاما، في الصناعة المالية، ولكن قبل كل شيء في تجارة النفط والتعدين ومنذ عام 2009، حلت جمهورية الصين الشعبية أيضا محل الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر شريك تجاري للقارة. وبهذه الطريقة، تؤمن الدولة الآسيوية المواد الخام الهامة في أفريقيا – النفط والمعادن والخشب – وعلى العكس من ذلك، تخزن الآلات والأجهزة الكهربائية وغيرها من المنتجات النهائية هناك وأيضا الأسلحة، بكميات أكبر من أي وقت مضى. وتتبع المشاركة الصينية أنماطا تذكرنا بالعصر الاستعماري من ناحية أخرى نوقشت التعويضات مرارا وتكرارا، بعد انتهاء الحكم الاستعماري لقد حاول الخبراء تحديد حجم الأضرار والمعاناة التي ألحقها الأوروبيون بالعالم، ويصل أعلى مبلغ طرحته لجنة كتعويض عن عواقب العبودية والاستعمار في أفريقيا الى 777 تريليون دولار أمريكي. في ظل كل ما سبق من أسباب ومسببات تاريخية وخارجية يظل الفساد وعدم استقرار أنظمة الحكم هو أهم وأكبر أسباب استمرار تلك الصراعات القبلية التي يحرص المتصارعون الرئيسيين على استغلالها وتضخيمها لتصفية حساباتهم أو إنفاذ مخططات تسوياتهم السياسية وفي أحيان أخرى تعد ترجمة للصراعات العسكرية بالإنابة بين مجموعات لا تريد أن تخسر من أرصدتها في خوض معارك حقيقية بين أطرافها. إن الناظر لما يحدث في إثيوبيا أيضا يكن أن يجد بعض التفسيرات، حيث تستغل بعض المحاور الإقليمية والدولية فساد المجتمعات السياسي وتقودهم نحو مجازر تخلق بها أما أسواق أو توقف بها انتشار أسواق وكثيرا ما تقوم بفرض أنماط حكم سياسية عبرها. من بيده مفاتيح الحل؟ تُظهر أبحاث منظمة العمل الدولية، والتقارير من المسافرين إلى آسيا وأمريكا اللاتينية، والمنشورات من مختلف الحكومات مدى الاختلاف الكبير في مشكلة الشعوب الأصلية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وهي تُظهر كذلك أن الأشكال والأنظمة القديمة، حرص المستعمر أن تكون بربرية ليقول إنها نتاج بربية تلك المجتمعات أيضا، تجسد في كثير من الحالات تلك الحكومات قوة هائلة، بحيث حرص المستعمر أنه حتى مع أقوى الإرادة المحلية نحو حكومات أكثر تحررا وديمقراطية لمجتمعاتهم المعنية، حرص المستعمر أن تنشأ الحاجة إلى إثارة العنف والعنف المضاد. قد يقول البعض أن النقابات العمالية كأحد ادوات تنظيم المجتمعات قد يكون وحدها لها دور، لا يمكن بالطبع أن يكون دور النقابات العمالية والحركة النقابية المحلية أو الدولية الأساسي هو الرغبة في حل مشكلة السكان الأصليين، نظرًا للتنوع والبعد الإقليمي لمناطق السكان الأصليين اليوم. تكمن جوانب الإشكالات السياسية بل والأكثر ثقافية وأخلاقية إلى حد كبير خارج مجال عمل النقابة. الطريقة الواضحة ستكون الانتقال المتأني والفهم للمجموعات الأصلية، المتكيفة مع الظروف المحلية، إلى العالم المتحضر لدولتهم. يجب أيضًا إنشاء الجمعيات التعاونية والاشكال التنظيمية المدنية الأخرى في البلاد لهذا الغرض – لكنها غير موجودة في كل مكان، ولا تتمتع الدولة في كل مكان في القارة بالطابع الديمقراطي الاجتماعي الذي يعد شرطًا أساسيًا لمثل هذا التعاون مع الجمعيات والنقابات العمالية. يضاف إلى ذلك الإساءة والانتهاك لمنعدمي الضمير لمشكلة السكان الأصليين من قبل الجماعات الرأسمالية الكبيرة. حتى الآن مازال هؤلاء الأشخاص لا يزالوا يعرفون اليوم كيفية تحريك المجموعات الأصلية من أجل تأمين آبار البترول أو المناجم المعدنية لأنفسهم. على الرغم من هذا وبسبب هذا بالتحديد، فإن الالتزام الدولي والسعي من أجل مبادئ دولية معينة – والتي يجب أن يتم دمجها بعد ذلك في التشريع المحلي للدول المعنية – لهما أهمية كبيرة. من المهم فتح المسارات الصحيحة – وإن تطلب ذلك تعويض المجتمعات المحلية بعد أخذها منها – حيث أنه أصبح من الواضح بعد سنوات من دراسات اجريت لمشكلة السكان الأصليين، أنه لا يمكن إنكار أن أحد الأهداف الرئيسية لمشاريع التنمية الاقتصادية لمناطق السكان الأصليين يجب أن يكون تحسين ظروف المعيشة والعمل. من بين المشاكل التي تنشأ توجد أيضا ما يلي، الوضع المحزن للمجتمعات الأصلية فيما يتعلق بامتلاك الأرض واستخدامها، وغياب أو عدم وجود فرص عملية للتدريب المهني للعمال المحليين، الاستخدام غير العقلاني لقوة العمل المحلية والانتهاكات الناشئة عن الافتقار إلى السيطرة على التوظيف والإشراف غير الكافي على ظروف عملهم، والتخلف التقني لبعض الحرفيين والصناعات المحلية، وغياب أو عدم اكتمال وسائل حمايتهم وتنميتهم، النقص أو الغياب التام للصرف الصحي والخدمات الاجتماعية في العديد من مناطق السكان الأصليين والمهام التعليمية واللغوية المختلفة. نظرًا لأن هذه الصيغ عامة، فإنها تشير إلى ما هو مهم من وجهة النظر الاقتصادية والاجتماعية في حل المشكلة المحلية. إنها تظهر بشكل جيد أين وكيف يمكن للحركة النقابية أن تساهم في حل الاشكال الأصلي ومع ذلك، فإنها تشير أيضًا إلى أن القرارات السياسية متضمنة وأن التدابير المالية والضريبية ضرورية، وهي خارجة عن سلطة العديد من البلدان الشابة أو حتى “المتخلفة اقتصاديًا”.

https://www.medameek.com/?p=96914…جميع الحقوق محفوظة لصحيفة مداميك، لقراءة المزيد قم بزيارة

Table of Contents

Share in

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Email
Related Post