بحث

هل تكفي الانتخابات لأنْ تعبر الدولة إلى برِّ الدِّيمقراطيِّة؟

خ الديمقراطية المعلبة:

في بداية الحديث عن المحاولات المتكررة للدول الغربية في استنساخ أنظمة حكمها في مستعمراتها السابقة أو الدول التي تدور في فلكها وفرضها عليها بالتأثير الاقتصادي تارة أو بالاجتياح تارة أخرى ويتعدى ذلك إلى إنشاء ورعاية تنظيمات سياسية على غرار تنظيماتها تحت مسمى تحرير الشعوب يستحضرني في حديثه عن الأحزاب البورجوازية فرانز فانون حيث يتحدث في كتابه (معذبو الأرض) ويصف دورها بأنها لا تعدو أن تكون وسيطا بين الدول الاستعمارية والدول التي تم استعمارها أو هي الآن في مرحلة ما بعد الاستعمار، حيث يصفها بأنها وسيط بين الطرفين يعرض عليهما المصالحة وينصحهما بالتسويات، ويقول: “إن الأحزاب البورجوازية ما إن ترى الشعب يتحرك لمواجهة الاستعمار بالعنف، حتى تهرع إلى المستعمرين قائلة: “الأمر خطير جداً، ولا يدري المرء كيف يمكن أن ينتهي هذا كله، فلا بد من إيجاد حل، لابد من إيجاد تسوية”. وبهذا تصبح البورجوازية التي تسمى وطنية، كما يقول فرانز فانون: “لا تزيد عن الواقع على أن تتواطأ على الشعب مع جلاديه في مرحلة كفاح التحرير، حتى لكأن مهمتها هي أن تحول دون سير الكفاح إلى آخر مداه، وتجعله ينهض في منتصف الطريق بتسوية تحقق مصالح فريقين أحدهما الاستعمار والثاني هو البورجوازية الوطنية، وعلى حساب الشعب إنما تضمن مصالح الفريقين، وذلك على حساب السيادة الوطنية والاستقلال الحقيقي”. قد نستطيع أن نسترشد بوصف فانون لمواقف الداعين لاتباع الديمقراطية الليبرالية بدون اي عملية تغيير جذرية تتم في المجتمع ما بعد الاستعماري وهو نفسه الموقف الطبقي لما يسمي بالبرجوازية الوطنية من التغيير الجذري والذي يعبر عنه فانون بالتغيير العنيف وفي حالتنا هنا نعبر عنه بالحراك الثوري السلمي الذي ابتدره الشارع منذ ديسمبر 2018. ان التحول نحو نظام ديمقراطي ليبرالي بدون أي عملية إصلاح أو تغيير مجتمعي هي عملية تسليم وتسلم فقط بين ممثلي رأس المال العالمي ونظام الدولة وتمكينهم منه بالقانون والدستور، وهي كما أسلفنا أحد أساليب الاستعمار الجديد خليفة للاستعمار القديم. وفي أحسن الحالات هي عملية تمكين للطوائف الرجعية من مفاصل دولة مازالت تعاني من آثار ما بعد الاستعمار وتتابع الأنظمة الشمولية عليها. إن الداعين للانتخابات متسترون بالديمقراطية هم أذناب الداعون للديمقراطية الليبرالية والمرتبطين بالأيدولوجيات الدينية والطائفية ولديهم تاريخ ممتد منذ الاستعمار، حيث استخدموا الدين في الحقيقة في محاولات شرذَمة المجتمع منذ أمد بعيد و هي سياسة تعلمها السوداني من المستعمر الإنجليزي الذي يؤمن بنظرية فرق تسد. استخدمتها الطائفية منذ أمد بعيد لتتربع على عرش الامتيازات في السودان ثم أصابت العدوى النُخب منذ فترة، ولكن في الحقيقة من امتهنها مهنة واتخذها أسلوباً أساسياً للصراع، فهي الحركة الإسلامية في حكمها للسودان طيلة الـ  ٣٠ عاماً من حكمها عبر عمر البشير ومن تقاطعت مصالحهم معه من كبار ضباط المؤسسة العسكرية، وكان هذا واضح من كبريات خدعهم وهي: ١- جهاد الشمال المسلم ضد الجنوب المسيحي، لتغطية حقيقة الصراع حول السيطرة على منابع النفط ومسارات خطوط نقلة ضمن موارد أخرى. ٢- بث خطاب الكراهية والاستقطاب الديني الحاد إلى أن وصل مرحلة كل من كان يقف ضد الكوز فهو يقف ضد الإسلام عليه هو علماني كافر وتجييش الأصوليين لخدمة هذا المسار. ٣- صراع دارفور والتأطير لفرية أنه صراع بين العرب والزنوج وتبرير المحارق والإبادة التي حدثت وإخفاء أنها كانت صراعات حول الأراضي والحواكير والمعادن. وفي حقيقة وصف الأشكال إن النخب المثقفة قامت بتنسيب أسباب أزمة سيطرة الطائفية إلى التخلف الحضاري الخاص بالمواطن السوداني على الرغم من أنها في صراع مع الطبقة البرجوازية المسيطرة وتصر على ارتكاب الخطأ الجسيم بربط الطائفية بالتخلف. المشكلة هنا هي زاوية نظرهم للموضوع في حد ذاته من خلال فكر الطبقة البرجوازية المسيطرة. إن السبب الرئيس للأزمة المجتمعية وسيطرة الطائفية وهذا الرأي في توافق مع رأي مهدي عامل أيضا السبب هو نتيجة وجود عوائق في انتقال البنية الاجتماعية إلى أشكال أخرى في الفترات ما بعد الاستعمارية بمعنى انتقال نوع ونمط الإنتاج من شكل لآخر مما أدى إلى خلق عائق يمنع هذا التطور كالانتقال مثلا من نمط رأسمالي إلى اشتراكي أو حتى تعاوني. لهذه الأسباب الموضوعية يلزمنا التركيز على فهم حركة الصراعات الطبقية داخل البنيات الاجتماعية للمجتمعات ما بعد الاستعمارية حتى نتمكن من تشخيص الأزمة باعتبارها نتيجة تبعية علاقات الإنتاج الحالية للسيطرة الاستعمارية السابقة أو الامبريالية الحالية. إن أي حركة تحرر في أنماط الإنتاج لاحقا تعني وبكل بساطة عملية تحرر الفرد من الوضع الذي هو فيه كأزمة سيطرة طائفية، وهذا التحرر يقوم بإلغاء سيطرة الطبقة المسيطرة لأنهم دائما يحرصون أن تستمر علاقات الإنتاج تابعة وغير متحررة ومربوطة بهم عبر أي شكل من أشكال السيطرة إما رأسمالية تحميها وإما ليغاركيةوإما نيوليبرالية وسوق حر تخدم مصالح القوى الاستعمارية وتدور في فلكها عبر ديمقراطيات صورية . إن أهم الأدوات التي حرصت وتحرص الطائفية والأقليات المسيطرة الأخرى أن تحافظ عليها حتى تتمكن من إحكام سيطرتها الطبقية على المجتمع هي أدوات القمع منذ خطاب كرام القوم ورفضهم لتحرير العبيد مرورا ببناء الأجهزة الأمنية القمعية الحالية لفرض السيطرة. أين يكمن الحل؟ لذلك إن الحل يكمن في نشر الوعي بالحقوق وانتشال المجتمع من مستوى فلسفة الحكمة الشعبية البدائية المسيطرة عليه مثلما وصفها غرامشي كما يلزم أيضا أن يتم خلق التواصل بين المثقفين العضويين والبسطاء ليس من أجل خلق وحدة فكرية في المستوى الجماهيري المنخفض ولكن تحديدا من أجل أن تتكون كتلة فكرية أخلاقية تضمن توفر الفرص السياسية لتقدم الجماهير فكريا بدلا عن أن تتقدم مجموعات محدودة من المثقفين تمكنهم من أن يسيطروا على حركة الجماهير بتخديرهم بالشعارات الشعبوية وتنفيذ رؤاهم المرتبطة بطبقاتهم وهم في أبراجهم العاجية . وكما قال فانون، “إن ضعف استعداد المتعلّمين، وغياب الصلات العملية بينهم وبين جماهير الشعب، وكسلهم، ولنقل بصراحة، جبنهم في اللحظات الحاسمة في مسيرة النضال، سيسوق لظهور أحداث مأساوية”. والسبب الذي دعا الطبقات الحاكمة إلى استغلال الدين هو، على وجه التخصيص، تدين الجماهير الشعبية الذي يعد واحدا من أهم عناصر نفسيتها الاجتماعية، ومن الطبيعي أن مفكري ما يسمى بالبورجوازية الوطنية لم يكن بوسعهم إلا يأخذوا هذا الامر بعين الاعتبار وأن يستغلوا الدين بصفته أكثر التقاليد الدينية انتشارا ويمكن في الوقت نفسه أن يكون الأساس النظري للأيدلوجية، ووسيلة إيصالها إلى أذهان الجماهير الواسعة، ولا شك أن تطابق الصبغة المثالية – الدينية للقومية البورجوازية مع نفسية الجماهير الاجتماعية هو الذي ضمن للمذهب القومي البورجوازي شعبيته وساعده على انتشار افكاره، مما أدى إلى إعطائه القوة الاجتماعية الجدية. لقد لعب الدين دورا معينا في توحيد العناصر غير المتجانسة في الحركة المناهضة للإمبريالية والاستعمار وكان وسيلة لجذب الجماهير الواسعة إلى صفوف الحراكات ضدها، وكان شكل من أشكال رد الفعل القومي على الاستعباد الاستعماري، “فالقومية الجديدة في الهند – كما أشار جواهر لا نهرو- شأنها شأن القومية في كل مكان في الشرق، كانت حتما قومية دينية”. من الجماهير وإليها: بالنسبة لروزا لوكسمبورغ، كانت السياسة التقليدية في العصر البرجوازي من شأن السياسيين المحترفين الذين يعملون لصالح جزء فقط من المجتمع ويسعون إلى الحصول على امتيازات اجتماعية واقتصادية وثقافية وتأمينها لها. وطبقا لفهم روزا لوكسمبورغ، إن الاشتراكية لم تكن خدمة تقدم للآخرين أو حتى هدية حزب للمضطهدين والمستغلين. وإنما ينبغي للسياسة الاشتراكية والحركة المجتمعية الاشتراكية أن تخرجا من الحركة المشتركة والطوعية والواعية لجموع الكادحين. وأشارت في كل كتاباتها أن الاشتراكيين يجب أن يكونوا مسؤولين عن التنظيم والتعليم السياسي لجموع الكادحين. إن العدوانية المتزايدة للنزعة العسكرية والحروب من أجل تقسيم جديد للعالم وقبل كل شيء الحرب العالمية التي وقعت في عام 1914 أعطت مسألة السلام وزنا خاصا. واعتبرت روزا لوكسمبورغ المجتمع الاشتراكي المنشود مجتمعا مسالما للغاية حيث رأت فيه شكلا من أشكال التعايش الإنساني الذي يتعين فيه القضاء على جميع أسباب الحرب والعنف. أدى توق روزا لوكسمبورغ العميق إلى السلام إلى الدفاع عن الاشتراكية بكل شغفها، ولكن بطريقتها حيث لم تكن روزا لوكسمبورغ تعتزم ردع العناصر الاستغلالية والقمعية بالعنف الجسدي تقول روزا: الثورة البروليتارية لا تحتاج إلى الإرهاب من أجل أهدافها، بل تكره وتمقت قتل الإنسان فهي لا تحتاج إلى وسيلة النضال هذه لأنها لا تحارب الأفراد، بل المؤسسات، لأنها لا تدخل الحلبة بأوهام ساذجة، خيبة أملها سيتعين عليها الانتقام منها بدم. إنها ليست محاولة يائسة من أقلية لنمذجة العالم بالقوة وفقا لمثلها الأعلى، ولكن عمل الملايين من الناس العظماء. فهمت روزا الماركسية عبر ادوات واحتياجات مجتمعها ومن أجله وأرادت تحقيق هذا التحول الاجتماعي من خلال كفاح مستمر لتوعية الكادحين حتى يستفيدوا من ثقلهم الحقيقي في معادلة الصراع بدلا من تحويل الصراع لصراع دموي تتدمر فيه انسانية المجتمع. منذ أن ترك كارل ماركس خارطة طريق لليسار نشأ إشكال حول مواقف المفكرين اليساريين تجاه عدد من المواضيع التي اعتمدت على تحليل كل منهم للماركسية وتفسيره لها فنشا اشكال كانت نتيجته عدم القدرة على الفصل بين الديمقراطية والرأسمالية بتاتا ولطالما كان يُنظر إلى الديمقراطية واليسار السياسي على أنهما معادين لبعضهما البعض وبالرغم من الصحة النسبية لهذا المفهوم إلا أنه لم يكون أيضا صحيحا مئة بالمئة، قد يعتقد المرء أن مثل هذا التناقض قد لوحظ فقط من قبل المعارضة اليمينة ولكن لفترة طويلة كان هناك حكم مسبق داخل اليسار بأن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية متعارضان تماما ونتج هذا الحكم من انه تم فهم الديمقراطية على اساس أنها فقط ديمقراطية برجوازية ليبرالية كانت بمثابة أداة للحكم للحفاظ على حكم الطبقة البرجوازية . مثل هذا الرأي مرفوض اليوم من قبل جماهير عريضة من اليسار كنتيجة للدروس التي تم استخلاصها من سقوط تجربة الاتحاد السوفيتي. حيث انه منذ نهاية الثمانينيات من القرن الماضي على أبعد تقدير، تصارع المثقفون وممثلو الحركات الاجتماعية بشكل متزايد حول توافق الديمقراطية والاشتراكية. في الوقت نفسه، تم فحص المشروع الديمقراطي التحرري (النيو ليبرالي) وتم التعرف على المخاطر التي يمثلها على الديمقراطية التي يفهمها الجماهير في هذا السياق، يبدو أن مشروع الديمقراطية الاشتراكية ظل غير مكتمل. لم يعد يُنظر إلى الديمقراطية على أنها أداة حكم برجوازية ليبرالية بحتة تقتصر على الشكل الجمهوري للحكم وإجراءات اختيار الممثلين (كما هو الحال في العديد من المناهج التي نشأت في تقاليد اللينينية)، ولكن كهدف لم يتحقق من قبل للمستقبل. يُنظر اليوم من قبل اليسار إلى عملية الدمقرطة على أنها محرك للتنمية الاجتماعية ومشروع سياسي لليسار لم يكتمل بعد. هناك اتفاق وسط جماهير اليسار على جزئية مهمة هي أن الوقت قد حان لمشاريع جديدة تواكب التطور المعرفي والإنساني وتوائم الاحتياجات المجتمعية في القرن الواحد والعشرين وفي نفس الوقت تحتوي على ترياق مضاد لما وصلت له الرأسمالية في عملية تطوير أساليبها للتحول والتشكل من أجل فرض سيطرتها لضمان استمرارية عملية مراكمة الربح. إن الدولة كتعبير عن العلاقات الاجتماعية للسيطرة والنظر لها كنموذج البنية الفوقية الأساسي عند كارل ماركس. يجعلنا نؤمن أن انعدام التوافق بين الديمقراطية والاشتراكية يعود في النهاية إلى الفهم الماركسي المحدد للحكم. وفقًا لـ خواكيم هوزلر، فإن الفهم التاريخي المادي للتاريخ مبني على إشباع احتياجات الحياة الأولية، لغرض دخول الناس في علاقات مع بعضهم البعض (علاقات الإنتاج) ومع الطبيعة (القوى المنتجة). يتطور الوعي الاجتماعي والفردي على أساس الإنتاج المادي، ويحدد النمط اليومي للإنتاج البشري الاحتياجات الاجتماعية والفردية للبشر. من الواضح وأصبح من المسلمات بها في الفهم العلمي للصراع الطبقي ان العلاقة بين المنتجين ووسائل الإنتاج عامل حاسم في تشكيل علاقات القوة. هذا بانتظام فيه السر الأعمق كما قال كارل ماركس، والأساس الخفي للبناء الاجتماعي بأكمله، وبالتالي أيضًا الشكل السياسي لعلاقة السيادة والتبعية، باختصار الشكل المحدد للحكومة في كل مرة. في الحكم البرجوازي، تم نقل وسائل الإنتاج إلى الرأسماليين من خلال المصادرة وكانت تعمل كوسائل مباشرة للسيطرة والاستغلال، لأن الجماهير كانت لديها قوة عملهم فقط بسبب افتقارهم إلى الملكية. لم يعد العامل يعتبر وسيلة مباشرة للإنتاج، مثل العبد أو القن، ولكن تم إعلانه رسميًا كمواطن حر له حقوق متساوية. أدرك كارل ماركس الأهمية الخاصة للعمال بالنسبة للرأسمالية، لأن جماهير العمال تخلق ثروة جديدة بسبب مزيجهم الفريد من العمل البشري والتكنولوجيا. بسبب حقيقة أن قيمة استخدام قوة العمل أكبر من قيمتها التبادلية، تنشأ قيمة فائضة تجسد ربحًا لمن يمتلكون وسائل الإنتاج. العلاقة بين الدولة والديمقراطية والطبقة الحاكمة: عليه وحول العلاقة بين الدولة والديمقراطية والرأسمالية في النظرية النقدية للدولة لقد سبق أن أوضحنا أعلاه أن الديمقراطية يمكن أن يكون لها معاني مختلفة. حقيقة أن المصطلح يستخدم الآن بشكل شائع للإشارة إلى شكل حكومة الدول الرأسمالية الحديثة (الدول الغربية) هو نقطة البداية للمفاهيم المتعلقة بالعلاقة بين الدولة والرأسمالية والديمقراطية من منظور مادي حالي. بشكل عام، “الديمقراطيات” الحديثة هي الأنظمة السياسية التي “تكونت من خلال انتخابات حرة وعامة، تم استكمال إجراءات التمثيل البرلماني، والحد الأدنى من الضمانات الدستورية للحقوق الإنسانية، وشكل معين من أشكال الفصل بين السلطات، وإمكانية التغيير السلمي والمنظم الحكومة على أساس نظام متعدد الأحزاب. مع تثبيت أن الحق الأساسي المركزي في كل تلك الديمقراطيات هو حماية “الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، التي لا يمكن التدخل فيها سياسياً”. عليه تتمتع الحرية والمساواة بمضمون اقتصادي ضمني ويتم تسويقها عالميا من خلال الإدراك المادي للمساواة بين الناس كمالكين للسلع التي تتنافس في السوق الحرة. يعتبر الانقسام إلى “دولة” و “مجتمع” أمرًا محوريًا في تنفيذ الأنظمة الديمقراطية التمثيلية، فضلاً عن “السياسة” و “الاقتصاد”، نظرًا لأنه فقط حيث تكون الدولة منفصلة عن المجتمع، فهي جهاز مركزي مستقل من العنف السياسي الناجم عن عدم المساواة وعلاقات القوة الاجتماعية التي يتم بناؤها بشكل مستقل ويمكن أن يخضع الحكم لسيطرة ديمقراطية. رغما عن ذلك احتاج المجتمع الرأسمالي إلى سيطرة مركزية لشكل سلطة الدولة وحدود إقليمية ثابتة من أجل الحصول على أسباب مستقبلية للعنف الضروري الذي أدى إلى تطور الإنتاج الرأسمالي كنتاج للصراعات حول تلك السلطات والحدود. ان مصطلح “الديمقراطية”، يظل فارغًا وبالتالي فهو غير مناسب للمناقشة إذا لم يتم تقديم تعريف آخر له ربما سيكون من الممكن استخلاص عناصر معينة من الجدل أعلاه حول الدمقرطة تجعل مفهوم “الاشتراكية الديمقراطية” يبدو أكثر واقعية إلى حد ما. كنقطة بداية نقول إنه تم العثور على الاشتراكية الديمقراطية كجزء من زوج من الأضداد حيث يستخدم المصطلح من قبل المؤلفين اليساريين لتمييز اعتباراتهم النظرية عن اشتراكية الدولة الاستبدادية والأنظمة الاشتراكية الفاشية في الماضي (والحاضر). يُقصد بالاشتراكية الديمقراطية أن تحل محل نموذج الأزمة الحالي ويمكن أن تقع في نهاية عملية الدمقرطة الجذرية، وطبيعتها، بينما في الأيام الأولى للنظرية الاشتراكية كانت وحدة الديمقراطية والاشتراكية لا تزال تبدو بديهية باعتبارها رؤية للمستقبل، استخدم كارل غرون مصطلح “الاشتراكية الديمقراطية” لأول مرة في عام 1845. بعد ذلك، ظهر المصطلح عند برودون ، الذي يستخدمه لتحديد نظريته الخاصة مقابل آراء البلانكيين. وفي تطورها وصولا لعدد من المنظمات والتنظيمات اليسارية التي تتبناها اليوم وجب أن تكون الديمقراطية الاشتراكية متماهية أيضا مع الطابع الطبقي للجهاز السياسي الذي سيضطلع بالمهمة مجلس النواب كممثل عن العمال، وتمثيل البروليتاريا الحضرية والريفية بنفس الأساليب المتبعة في الديمقراطية التحررية عمليه انتخاب حر من مجتمعات تحت مظلة دستور وقوانين بعينها. الدمقرطة كوسيلة للصراع الطبقي: إن الجمعية الوطنية، أو المجلس الوطني، أو مجلس الشعب أو المجلس التشريعي أيا كان اسمه اليوم بشكله المعاصر في السودان هو إرث باق من الثورات البرجوازية، وقذيفة بلا مضمون، وسند من زمن الأوهام البرجوازية الصغيرة لـ “شعب واحد”، و”الحرية والمساواة والإخاء” في الدولة البرجوازية التي أثبت التاريخ أنها محض هراء يتحطم أمام أول محاولة تغيير حقيقية لأصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير. عليه نصل لنتيجة موضوعية أن من يعمل من أجل هذا التمثيل بهذه الطريقة اليوم بوعي أو دون وعي هو يساهم في تقليص مسار التغيير إلى المرحلة التاريخية للثورات البرجوازية؛ إنه عميل متستر للطبقة الحاكمة أو منظر غير واع للبرجوازية الصغيرة. عليه الواجب هو خلق ديمقراطية تعبر عن جميع مكونات المجتمع وهي التي تكون السلطة الحقيقية بيدها وتتكون من قيادات هي إفرازات لمجتمعات واعية بحقوقها لديها القدرة عبر العصيان المدني والإضراب والاعتصامات إلى تغيير جذري في قوانين هذا النظام الحالي وريق النظام السابق هذه القيادات تمثل قيادات عمالية ونقابيه ومجتمعية منتخبون شعبيون يعبرون عن بلدانهم أريافهم قراهم ومدنهم يعبرون عن النساء والأقليات المقهورة والمضطهدة ان الاشتراكية الديمقراطية في تطورها الاني في القرن الواحد والعشرين تستوجب العمل الدؤوب لتوعية المجتمع ثم تنظيمه وتحريكه لاحقا في سبيل اقتلاع حقوقه عبر ممصلين حقيقيين لأصحاب المصلحة في التغيير مسلحين بأدوات نضالهم السلمية والوعي ويستلزم هذا عملا طويلا ونفس اطول. إن الدعوة إلى مثل هذا التمثيل العمالي المهني الحضري الريفي بدلا من الجمعية الوطنية التقليدية للثورات البرجوازية هي في حد ذاتها عمل من أعمال النضال الطبقي، وكسر للماضي التاريخي للمجتمع البرجوازي، ووسيلة قوية لإعادة تسليح الجماهير البروليتارية للشعب، وأول إعلان مفتوح وقاس للحرب على الرأسمالية. إن الدمقرطة كوسيلة للصراع الطبقي ومحرك للتغلب على الاختلافات الطبقية هو أسلوب تبنته روزا لوكسمبورغ من أجل التغلب على المجتمع الطبقي لقد أدركت أن الدمقرطة التدريجية للمجتمع الرأسمالي ستكون بمثابة مساهمة في حل الحكم. يعتمد أسلوبها بتقييم نقل الاستفتاءات من المؤسسات إلى الشوارع ومن هناك بدورها إلى المجالس باعتبارها تطورًا للديمقراطية في اتجاه ديمقراطية تخدم معناها الاصلي، حيث يجب أن يفسر أن تحقق الديمقراطية التي تحققت أيضًا كان كنتيجة مشاركة كل أولئك الملتزمين بها. على هذا النحو، فإن استقرار الديمقراطية الاشتراكية داخل مجتمع طبقي يعتمد بالضرورة على إنشاء مؤسساتها الخاصة. وفقًا لروزا، فإن عناصر الديمقراطية المباشرة والممارسة غير المقيدة للحريات المدنية ليسا فقط أساس هذه القاعدة الأخيرة، ولكن يمكن اعتبارها أدوات تتغلب على الهيمنة. كمفكر ذي أدوات تحليل علمية سألت لوكسمبورغ نفسها في المقام الأول عن التطبيق العملي للمعرفة المطورة نظريًا لنهاية تاريخ المجتمعات الطبقية قد يعني هذا الطريق توسعًا تدريجيًا في التصميم الديمقراطي على الإنتاج والسياسة والتنظيم يمكن، في رأيي، الاستدلال عليه من البنية النظرية للكسمبورغ. في الخطوة الأولى، سيتم تحقيق التوسع الكمي في المشاركة الديمقراطية، أي تمثيل جميع المصالح غير المقبولة سابقًا في البرلمان من قبل حزب من الجماهير، والنضال من أجل الاقتراع العام، وحرية الانتخابات وتوسيع الحقوق الديمقراطية جميع الفئات كل هذا لا يزال يحدث في إطار المجتمع المدني. في الوقت نفسه، يمكن وضع حجر الأساس لتوسيع نوعي للحقوق الديمقراطية، حيث إن توسيع المشاركة في العمليات السياسية يصاحبها أيضًا عملية نضج ترفع وعي الجماهير وتسمح لهم بفهم الهدف النهائي للاشتراكية. في الممارسة العملية، قد يعني هذا أنه مع توسيع المشاركة في العمليات الديمقراطية، يتم أيضًا تعزيز الاهتمام والإرادة لتوسيع المشاركة لتشمل مجالات أخرى من المجتمع المدني. جنبا إلى جنب مع إضفاء الطابع الديمقراطي على الشركات والإدارة الجماعية للثروة الاجتماعية، يمكن أن تؤدي ديمقراطية البروليتاريا إلى ثورة اجتماعية يتم إعادة تصميمها بالكامل من خلال التغلب على العداوات الطبقية من خلال ملء آلياتها من خلال تصحيح الكتلة الحرجة. إن نقل مهام الدولة إلى أفراد المجتمع، في الواقع والقضاء على العداء بين الدولة والمجتمع، يلعب دورًا لا يقل أهمية عن خضوع الاقتصاد للسيطرة الديمقراطية الجذرية. هل تكفي الانتخابات لأنْ تعبر الدولة الى بر الديمقراطية؟

 https://www.medameek.com/?p=82529…جميع الحقوق محفوظة لصحيفة مداميك، لقراءة المزيد قم بزيارة

Table of Contents

Share in

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Email
Related Post