بحث

“تسعه طويلة”.. من أين أتت ومن يتحكم فيها ؟

فذلكة تاريخية: إن تاريخ الصراع الطبقي يجب أن يتم تدريسه في المدارس بديلا للعديد من المناهج ذات الطابع التكليسي للعقل. إن واجب هذه الأجيال أن تبين للأجيال القادمة كيف أن الرأسمالية خلال قرون من وجودها، ولّدت ثروة لا تُحصى وزادت من ثروة نسبة بسيطة من سكان الأرض في العديد من البلدان وفي الوقت نفسه، تم استبعاد مليارات البشر من تلك الثروة بحيث أصبح الظلم الاجتماعي أكبر، والفجوة بين الفقر والثروة آخذة في الاتساع، ويجب شرح هذا، وكيف أنه ينطبق على المستوى الوطني في السودان، وحتى على المستوى الاقليمي. كما يجب أن نربط بصورة علمية بين سياسات السوق الرأسمالي ونتائجها، وكيف أن العالم عموما والسودان كجزء منه تأثر من اقتصاد السوق الرأسمالي، حيث جلبت عليه تلك السياسات بطالة جماعية وانخفاضا في الدخل وارتفاعا في معدلات التضخم وارتهانا للديون وفوائدها تبعهم تخفيضات من مواصفات دولة الرفاهية، بل فلنقل تخفيضات من مستوى خط الفقر حتى. إنه وبالرغم من صحة أن الرأسمالية ساهمة في التكنولوجيا والتطور في مجالات عدة، إلا أنها رسخت نظامًا عالميًا يموت فيه طفل من الجوع كل خمس ثوانٍ، ويموت فيه أيضًا أكثر من تسعه ملايين شخص سنويا بسبب الجوع وعدم الحصول على مياه الشرب النظيفة، حيث يظل أكثر من مليار شخص يعانون من الجوع وسوء التغذية، فهل هذه تبعات مقبولة نتائجها؟ إن دول المركز الرأسمالي تعاني من تناقضاتها الإنسانية، حيث تدعم رفاهية البعض على حساب معينات الحياة لآخرين، كما كانت ومازالت تدعي التحرر والحرية وتدعم في دول الجنوب الأزمات والفاشية والحروب، لا لشيء إلا للمحافظة على مواردها البشرية والطبيعية القادمة من دول الجنوب. يقول اميلكار كابرال “أود فقط أن أوضح نقطة حول التضامن بين حركة الطبقة العاملة الدولية ونضالنا من أجل التحرير الوطني هناك بديلان: إما أن نعترف بوجود صراع حقيقي ضد الإمبريالية التي تهم الجميع، أو ننكرها. كما يبدو من جميع الأدلة، الإمبريالية موجودة وتحاول في وقت واحد السيطرة على الطبقة العاملة في جميع البلدان المتقدمة وخنق حركات التحرر الوطني في جميع البلدان المتخلفة، عليه هناك عدو واحد فقط نحارب ضده. إذا كنا نقاتل معا عليه يكون الهدف الأساسي من توحدنا هو وبكل بساطة أن نواصل القتال”. عليه وفي مسار حركة تطور اساليب النضال نصل لصيرورة حتمية، وهي أن الطريق لمقاومة تلك السياسات التي تفرض علينا هو عبر نضالات النقابات العمالية القوية والحركات المناهضة للرأسمالية وعبر دعم وتكوين الأحزاب السياسية الديمقراطية الاجتماعية والاشتراكية والشيوعية بكل أشكالها في صراع مرحلي يمهد لصراع طبقي لاحق. أثناءه يجب أن نستبين عبر تحليلنا للصراع الطبقي أن “اقتصاد السوق الاشتراكي” يعتبر حلاً وسطاً بين العمل المأجور ورأس المال الذي لم يتحد المركز الرأسمالي المعولم وأنه مرحلة لا غاية. إن الصراع نحو التحرر في المجتمعات جميعها في وقتنا الراهن لن يتحقق عبر الطبقة البرجوازية المستفيدة من سيطرتها على طبقات أخرى في سعيها الحثيث للرأسمالية، ولن يتحقق عبر القوى العميلة والمرتهنة للخارج أو حتى للمصالح الاستعمارية، كما يسميها مهدي عامل، وإنما يحصل التحرر بالساعد الكوني وخطى طبقة العمال والفلاحين والمهنيين والمثقفين العضويين، وبرفع وعي (البروليتاريا الرثة) إن فلحنا في تنويرها ما لم يتم استقطابها عبر الثورة المضادة بالمال والمحفزات، كما حدث عبر التاريخ، ويتضح هذا جليا للمتتبع للمسارات الثورية في التاريخ الإنساني. ومن المعلوم أن (البروليتاريا الرثة)، هي غير طبقة البروليتاريا صاحبة المصلحة والوعي للتغيير وأيضا غير – البروليتاريا الأولية – المتهادنة مع البرجوازية الصغرى في سعيها للانضمام لها. كانت وما زالت الهجمات ضد (البروليتاريا الرثة) باعتبارها الطبقة الدنيا من الناحية المادية تتوالى هذه الهجمات في الصراع الطبقي، حيث تتأرجح هذه الطبقة بين حليفة للتغيير أحيانا وأحد أسباب وقف التغيير في أحيان أخرى. يمكن أن نفهم من فريدريك إنجلز البروليتاريا الرثة في وصفه لـ (طبقة النبلاء الطفيلية) التي تعيش من الديون، والمقامرة، والتطفل، والتسول، والتجسس السياسي”. من ناحية أخرى، تحدثت روزا لوكسمبورغ عن (البروليتاريا الرثة) باعتبارهم (المجرمين والعاهرات) واصفة إياهم بالـ (الطبقة الخاصة) من (النفايات الاجتماعية) التي نمت بـ (صورة ضخمة) في مرحلة الاضطراب الاجتماعي. وقد حددت ظهورهم في (جميع طبقات المجتمع المدني) كظاهرة تكتل داخل الطبقة الواحدة. تعمل وتتربح من “فرق السعر بين الأسعار التجارية للبضائع، والأعمال التجارية العرضية الوهمية غير المنتجة، وتزوير الأغذية والمستهلكات، الغش، الاختلاس الرسمي، السرقة، السطو، الابتزاز، القواده” كما ذكرت أنها سوف تتداخل فيما بينها بطريقة تجعل الخط الفاصل بين البرجوازية الصغرى وبينها غير واضح. ولقد ثبت تاريخيا من التحليل الطبقي أن في لحظة سقوط الحواجز التقليدية والأخلاق والقانون في حالات الاضطرابات، فإن المجتمع البورجوازي سوف يقع على الفور وبدون قيود ضحية للانحلال البسيط ويحدث التكتل الرث في طبقته كإضافة لطبقة البروليتاريا الرثة المتكتلة داخل طبقة البروليتاريا المنتجة. بصرف النظر عن هذه التعريفات القائمة على البعد النظري إلى حد ما لـمصطلح (lumpenproletariat) فإن الفهم اليومي للأغلبية العريضة من السكان في بيئة من (معاداة المجتمع) ومنبع للجريمة تمثل هي البروليتاريا الرثة. الموقع من الصراع الطبقي إن البروليتاريا الرثة تشكل كتلة متمايزة تمامًا عن البروليتاريا الصناعية أو المنتجة في جميع المدن الكبيرة والصغيرة على حد سواء، وتعتبر مكان تجنيد للصوص والمجرمين من جميع الأنواع، ويعيشون على ضياع المجتمع، والأشخاص الذين ليس لديهم تخصص معين من العمل. وصف كارل ماركس بروليتاريا باريس الرثة لعام 1848، التي اعتمد عليها بونابرت في انقلاب ما قبل الفاشية ضد الجمهورية، على النحو التالي: “بالإضافة إلى سبل العيش المعطلة ذات السبل الغامضة للعيش وذات الأصول الغامضة، والفروع الفاسدة والمغامرة من البرجوازية والمتشردين والجنود المفرج عنهم والسجناء المفرج عنهم وعبيد السفن الهاربين والمحتالين واللصوص الليليين واللصوص النهاريين (النشالين )وقوادين بيوت الدعارة ، مقطوعي الأعضاء ، جامعي الخرق ، المتسولون ، باختصار ، الكتلة الكاملة غير المحددة ، المفككة ، التي تساقطت ذهابًا وإيابًا التي يطلق عليها الفرنسيون اسم la bohème … هذه النفايات والقمامة والخردة من جميع الفئات تمثل البروليتاريا الرثة .. . ” وضم لهم كارل ماركس في (رأس المال) (المتشردين والمجرمين والبغايا) على أنهم “بروليتاريا فاسدة أو الطبقة الرثة حقيقية”. يسعى الأفراد المنتمون لطبقة البروليتاريا الرثة عادةً إلى الكسب الفردي باستخدام معدات العمل الخاصة بهم – حتى لو كانت مجرد قبعة متسول أو أدوات اللص البسيطة، وذلك يعود لعدم امتلاكهم لأدوات إنتاج ولعدم امتلاكهم المهارات المنتجة المفيدة للمجتمع الإنساني على حد سواء. كمؤشر على حجم البروليتاريا الرثة في مجتمع اليوم، عليك النظر حولك لمعرفة من يقومون بالسرقة والسطو بالإضافة إلى البالغين المشتبه بهم في الاحتيال أو السمسرة أو أي عمل يتم التربح منه بدون أي إنتاج أو إضافة حقيقية لقيمة المنتج بالإضافة لضرره للمجتمع كأرباح البنوك على القروض والعمولات غير القانونية من الموظفين. كان عبر التاريخ هناك دور سياسي محوري للبروليتاريا الرثة حيث ساهم هذا الكم للرعايا الفاسدين من جميع الطبقات، والذي يقيم مقره الرئيسي في المدن الكبرى كأحد أسوأ الحلفاء المحتملين لخدمة الثورات المضادة والدكتاتوريات. إن هذا الرعاع معروض للبيع تمامًا وإنسانه متطفل تمامًا لا تحده محددات أخلاقية أو إنسانية وإنما ينظر بعين واحدة نحو المكسب الفردي، ولذلك عندما كتب العمال الفرنسيون على المنازل والمحال في الثورة: Mort auy voleurs! الموت للصوص! لم يتم ذلك بدافع الحماس للممتلكات المسروقة، ولكن من معرفتهم الحقيقية أنه يجب على المرء قبل كل شيء إبقاء هذه العصابة في مأزق ما لم يكن في تحالف معها. إن هذه الطبقة هي نتاج حتمي وطبيعي للرأسمالية، حيث ظلت تنتج مجموعات معطلة عن الإنتاج لفترات مطولة، من أصيبوا في حادث ولم يقم صاحب العمل بمعالجة تبعات ذلك الحادث، من أصابتهم أمراض الشيخوخة في ظل هذه الظروف يجب أن يلجأ الإنسان إلى أول وظيفة تضمن له الاستمرار في الحياة بغض النظر عن مدى نفعها أو ضررها للمجتمع أو مدى موائمتها للقوانين. وفي ظل الكسادات العالمية وقلة فرص العمل سرعان ما سيطرت الفرصة للتحول الرث على وجود البروليتاري، تلاحقه المحنة، والندرة تصيبه بشدة في قوته وأمن أسرته، بحيث تتحول الطاقة المكرسة في النضال من أجل قطعة الخبز إلى إحباط تتلاشى أمامه أخيرًا معايير الصلاح المجتمعي، ويتضاءل احترام الذات، حيث يقف أمام بوابات المساجد والأسواق متسولا الحق في الحياة تقوده خطاه نحو التشرد أو إلى بوابات السجن. بسبب الرأسمالية كل عام، تغرق الآلاف من سبل كسب العيش المرتبطة ببيع ساعات العمل من الظروف الطبقية العادية للطبقة العاملة في ظلام الإفقار. إنهم يغوصون بشكل غير مسموع وغير مرئي من باقي الطبقة التي كانوا فيها إلى قاع المجتمع كعناصر بالية عديمة الفائدة لم يعد بإمكان رأس المال أن يضغط منها على المزيد من العصارة، تتحول إلى قمامة بشرية تجرفها مكنسة حديدية نحو خدمة مصالحها في تكتل داخل هذه الطبقة. إن ذراع القانون هنا ينافس الجوع والمرض في دواخل هذا الانسان. المتحكمون بها وأخيراً، يسلم المجتمع البرجوازي كأس السم لمنبوذة حيث يقوم بإعادة تدويره واستخدامه في تلبية رغبات المجتمع البرجوازي الذي يتمتع بالدعم المادي لمقابلة ذراع القانون فيستخدم هؤلاء لخدمة أغراضه. حيث أن هذه الطبقة تعاني من نفس ما يعانه المجتمع من سوء تغذية وانعدام فرص عمل ومجابهة التضخم والكساد، بالإضافة إلى فساد جهاز الدولة الحاكم فانه من الطبيعي أن تنضم هذه الطبقة إلى أي حراك جماهيري من أجل التغيير وسرعان ما يستغلها الانتهازيون ويستغلون فيها التزامها بالكسب الفردي ومعاداة المجتمع، فيتم استخدامها في عمليات السرقة والتقتيل ونشر الفوضى لخلق نتيجتين حتميتين تقليل عدد المشاركين في ذلك الحراك في محاولة للنئي بأنفسهم عن هذه الأعمال، والنتيجة الثانية هي خلق المبرر القانوني لجهاز الدولة القمعي أن يتدخل بدعاوى حماية مصالح المواطنين، فيتم استخدامه لإزالة وإلغاء تلك الحراكات. نفس جهاز الدولة الذي يستهدف هذه الطبقة في شكل مخبرين ومصادر أمن ووقود لمليشيات الدولة في حروبها الداخلية أو بالوكالة، حيث يتم حرقهم في محارق بشرية باسم قضايا حروب وهمية لا تخدم إلا مصالح رأس المال.

https://www.medameek.com/?p=88548…جميع الحقوق محفوظة لصحيفة مداميك، لقراءة المزيد قم بزيارة

Table of Contents

Share in

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Email
Related Post