بين ما هو ثورة وما هو حراك ثوري: هناك تواريخ حتما تظهر في أي عملية بحث تاريخي معاصر عن الثورات الشعبية : 1789، 1848/49 (كلاهما بسبب وظيفتهما النموذجية لثوراة القرنين العشرين والحادي والعشرين)، 1917، 1918/19، 1989، 2011. كانت المعايير الأساسية العمومية لاختيار مسمى الثورة هي ما إذا كانت الثورة قد طورت نموذجًا قويًا (مثل الثورة الكوبية 1958/59)، أو جديد (مثل ما يسمى بالثورة الإسلامية عام 1979) أو كشكل خاص (مثل «الثورة الثقافية» في الصين 1966) أو في بداية سلسلة من الانتفاضات الثورية (مثل الثورات العربية 2010/11). ومع ذلك، فإن الأحداث التي حدثت بعد ذلك في ما يخص الحراكات الثورية العربية أو الملونة لا يمكن تسميتها اصطلاحا بالثورات المكتملة وإنما يمكننا القول إنها مسارات ثورية أو حراكات ثورية تم قطع طريقها عبر الثورات المضادة. قد يكون ما حدث هو فعل ثوريًا بطبيعته أو مرتبطًا بالثورة: تمرد، انتفاضة، انقلاب – أي شخص يتعامل مع الثورات سيصادف هذه الأوصاف في كل مكان وتحديدا في تاريخ الثورات. إنه ومن دون التفكير في مثل هذه الأشكال من الاحتجاج، تظل المقاومة ونقل السلطة غير مكتمل بطبيعة الحال. على سبيل المثال، لم تكن الحركة الطلابية في عام 1968 ثورة بالمعنى الضيق، لكن أبطالها فهموا بعضهم البعض غالبًا كثوريين، يستخدمون الخطاب والنظرية الثورية، وأحيانًا يعملون بشكل ملموس للغاية نحو الثورة. انتفاضة 17 يونيو 1953 م من ناحية أخرى، يمكن تعريف جمهورية ألمانيا الديمقراطية بوضوح على أنها ثورة مُجهضة نتجت عن إجهاض ما بدأ في ألمانيا الشرقية من حراك ثوري يحطم سلطة النظام القديم ليبني نظاما جديدا ومن ناحية أخرى، الثورات في تاريخنا السوداني أيضا لم تعتبر ثورات مكتملة وإنما الديمقراطيات التي تلتها هي أيضا تعبير عن ثورات مجهضة لم تستطع تحطيم نظام الحكم السابق لذلك كانت تعيد نفس الإخفاقات ونفس دائرة الفشل والنتائج مكررة. على سبيل المثال أيضا، حركات الاحتجاج والإصلاح لعام 1953، 1956 (الانتفاضة الشعبية في المجر)، 1968 (ربيع براغ) ماذا يعني مصطلح الثورة : لطالما كان مصطلح الثورة قادرًا على وصف كل شيء ولا يستخدم فقط لوصف الاضطرابات السياسية: تصف الثورة الصناعية التغييرات بعيدة المدى في ظروف الإنتاج والعمل في سياق الميكنة، خاصة في القرن التاسع عشر. تشير الثورة الجنسية عادة إلى التغيير في المواقف والسلوك الجنسي في النصف الثاني من القرن العشرين، والذي جرد المفاهيم الأخلاقية الضيقة، وأزال المحرمات عن الجنس بشكل عام، وأزال تجريم المثلية الجنسية. أخيرًا، تصف الثورة الرقمية التطور في ظروف حياتنا وعملنا، ويرجع ذلك أساسًا إلى أجهزة الكمبيوتر والإنترنت منذ نهاية القرن العشرين. يوضح تضخم المصطلح أن زمن الشحن الأيديولوجي السياسي قد انتهى حتى أن الفيلسوف وعالم الثقافة في برلين بيونغ تشول هان يدعي أنه لا توجد ثورة ممكنة في الرأسمالية النيوليبرالية لأن التمييز بين الظالم والمظلوم يختفيان: في الماضي، بحسب هان، أدى الاستغلال الأجنبي العنيف لعمال المصانع في الماضي إلى احتجاجات ومقاومة. في هذا النظام القمعي يظهر كل من الظالم والمظلوم في شكل الصراع الطبقي الكلاسيكي أما “اليوم، من ناحية أخرى، وفقًا لاستسلام هان، لم يعد هناك” خصم ملموس، ولا عدو يقمع الحرية ويمكن المقاومة ضده حيث تحول النيوليبرالية العامل المضطهد إلى رائد أعمال حر، ورائد أعمال بنفسه. الجميع اليوم عامل يستغل نفسه في شركته الخاصة. الكل سيد وخادم في شخص واحد حيث يتحول الصراع الطبقي أيضًا إلى صراع داخلي مع الذات. […] أنت تجعل نفسك مشكلة بدلاً من المجتمع. “هذة خلاصة هان لا يتعين على المرء أن يوافق على تحليل هان، ولكن يمكنه حتى فهمه كجزء من الآليات التي ينتقدها والتي تطمس الاختلافات عبر حقيقة أن التسمية الملموسة للظالمين والمضطهدين لم تعد ممكنه. ربما تكون مشكلة العالم مع الثورة هي أن الغرب يستفيد بشكل كبير من اختلال التوازن العالمي في الثروة والضمان الاجتماعي، لذلك بالمعنى الدقيق للكلمة يجد الغرب دوما يقف إلى جانب الظالم وذلك لخلق توازن يقوم حصول الغرب على الثروات عبر الظالم أو المضطهد المحلي. أظهرت السنوات القليلة الماضية أن الثورة ما زالت مستمرة وتستطيع أن تكون وسيلة فعالة للغاية لتغيير الظروف واكبر مثال يتم التنميط والقياس عليه هو الثورة الفرنسية عام 1789 من نواح كثيرةلا يزال يشكل المخطط الذي تقوم عليه الثورات. احتجاجات جماهيرية، واحتلال الساحات المركزية، وبناء المتاريس، إلخ. على أي حال، تذكرنا الثورة اليوم بأن التغيير في الظروف ممكن، وأن مستقبلنا ليس مؤكدًا وأن “الحرية والمساواة والعدالة” ليست أمرًا طبيعيًا، ولكن يتم وتم تحقيقها حول العالم بشق الأنفس. وبالعمل الدؤوب نحو التغيير عبر خلق التحالفات القاعدية التي تغذي مسار الحراك الثوري للوصول إلى نهايتة من تغيير جذري عادة ما تقود مطالب الحرية الناس إلى دخان السلاح، وجثث الشهداء ومراسم تشييعهم، والشباب البطل مع البنادق، والمسدسات، وعلى رأسهم رمز الحرية مع صدورهم العارية وتلوح بأعلام في الرياح العاصفة. هذا ما تبدو عليه الثورة – على الأقل في لوحة “Liberty Leading the People” التي رسمها أوجين ديلاكروا من عام 1831. وقد كلفه الملك الجديد لويس فيليب برسم الصورة لتكريم الثوار الذين أوصلوه إلى العرش حيث انه و لمدة ثلاثة أيام مجيدة ودامية، من 27 إلى 29 يوليو 1830، قاتل الناس على المتاريس من أجل الحرية والعدالة، ثم تولاها ملك. الثورة تأكل أطفالها: لقد كتب الكثير بالفعل عن السؤال عما حل بثوار خريف 1989 في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وجمهورية ألمانيا الديمقراطية. تظهر كلمة الثورة التي ستأكل أطفالها في المتغيرات المتغيرة يعود الاقتباس إلى الدراما الثورية لجورج بوشنر “موت دانتون” حيثىيأخذ الشاعر مقولة قيل إنها كانت متداولة خلال ما يسمى بفترة الإرهاب من 1793/94. مع “موت دانتون”، لم يبتكر بوشنر واحدة من أفضل الأعمال الدرامية الألمانية فحسب، بل أبدع أيضًا ما هو على الأرجح أكثر تصوير أدبي مؤلم للديناميكيات الثورية. كان رعب اليعاقبة موجهاً أولاً إلى الأرستقراطيين والكهنة السابقين الذين رفضوا أداء القسم على الدستور، ثم إلى المعتدلين الذين أرادوا إيقاف العمل الدموي للمقصلة، وأخيراً إلى الراديكاليين الذين أرادوا إلغاء الملكية الخاصة. أرسل Robespierre أصدقاء سابقين مثل Camille Desmoulins ورفاقه في السلاح مثل جورج دانتون إلى المشنقة وأخيراً أنهى نفسه مع أقرب أتباعه بالمقصلة، هذه المأساة تكررت مرارا وتكرارا في ظل الظروف المتغيرة ونجدها في السودان أيضا حيث أول ما أكلت الثورة ابناؤها الذين كانوا في كولومبيا ثم توالت الأحداث عاصفة فتخلو عن من يخرج في تظاهرات مطلبية أو ثورية أيام الشراكة المزعومة التي لم تعدُ كونها واجهة مدنية لانقلاب لجنة البشير الأمنية بل ذهب رفاق الأمس إلى أبعد من ذلك حيث وصفو الثوار بأنهم السبب في تغول العسكر على الشراكة المزعومة ونسوا وتناسوا أنهم من أعطوهم قبلة الحياىة حينما ضغطتهم الجماهير عقب مجزرة الاعتصام. من الواضح أن المنطق الداخلي للثورة يحكم هنا والتاريخ يعيد ويكرر نفسه لمن يعتبر. تثبت المثل العليا للإنسانية، التي يتم تنظيم الثورات باسمها، عدم جدواها في النضال ضد معارضي الثورة أولاً، يتم تأجيل السعادة إلى أجل غير مسمى، ثم نسيانها، وأخيراً تنقلب إلى نقيضها. كيف ذبح ستالين الحرس القديم للبلاشفة في الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث ماتت المثل الثورية مع أبطال النضال غير الشرعي والثورة والحرب الأهلية في النهاية، كل ما تبقى منهم كان بضع عبارات وقصيدة انتحار مايكوفسكي. بعد الثورات الأخرى، كانت الظروف في بعض الأحيان أكثر تحضرًا اختفى معظم نشطاء المقاومة والنضال من المسرح السياسي، أو إذا لم يمض وقت طويل على تفكيك أنفسهم، فإنهم ينزلون إلى مناصب بلا تأثير مثالا مصر تونس السودان. حقيقة أن البعض منهم، تصرفوا بشكل مختصر إلى حد ما كرموز للديمقراطية الجديدة أو مراحل الانتقال، رغم ذلك تحولو لمجموعات لم تفعل شيئًا يذكر لتغيير المبدأ الأساسي للنظام أو لخدمة اغراض الثورة. هناك عقلية التنقل الصاعد للبرجوازية والتي تقول بأنه نادرا ما يصبح المتمردون مسؤولين جيدين. هذا يعيد للأذهان سؤال ما ذا كان الحراك المسلح قد يؤدي إلى ثورات ناجحه تعبر عن مطالبها بنظم حكم ثورية بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع أهدافها ؟ الثورة البلشفية، الكوبية، الإسلامية إيران، هوشي منه فيتنام؟ أم أن العمل وسط الجماهير وتنظيمها إلى مجالس عمالية ومجالس فلاحين ومجالس جنود ومجالس سكن مثل ما فعل الاشتراكيين في ألمانيا بقيادة كارل ليبنشت وروزا لوكسمبورغ هو الطريق نحو ثورة مدنية تكتمل بهدم النظام القديم وباستلام المجالس المذكورة لدفة الحكم عبر ممثليها الذين استغرق بناؤهم سنوات طوال من العمل الدؤوب ورفع الوعي وسط الجماهير بحقوقهم ومصلحتهم من التغيير الجذري، مع وجود إمكانية اختطافه أيضا من امثال فىيدريك إيبرت الذي تحالف مع العسكر لقطع الطريق أمام المجالس من تحقيق تغيير جذري.
https://www.medameek.com/?p=91853…جميع الحقوق محفوظة لصحيفة مداميك، لقراءة المزيد قم بزيارة