بحث

العلمانيِّة بين الرّفض والتّحليل

العلمانية ينادي بها البعض وهم لا يعرفون حقيقة معناها

واحدة من إشكالات النقاش حول تطبيق علمانية الدولة من عدمها هو عدم فهم البعض ممن ينادي بالعلمانية نفسها لمعناها الحقيقي. “فصل الدين عن الدولة” هو لا يُعدُّ تعريفاً مكتملاً للعلمانية بأي حال من الأحوال وإنما هو جزء مجتزأ من تعريف العلمانية، حيث أن العلمانية هي فصل الدين عن الدولة وعن الممارسة الشخصية بحد ذاتها للمواطنين والحرص على أن ينشغل المواطن بأموره الدنيوية في معزل تام ومحاربة لأي نشاطات دينية على مستوى المجتمع. فما بالك بإلحاق تلك الجملة “فصل الدين عن الدولة” بجملة ضمان حرية المعتقد والتعبد لجميع المواطنين على السواء بمعنى أن تقف الدولة نفس المسافة من كل المعتقدات ولا تتحيز لأحدها، فهل هذا يعني علمانية عند البعض؟ وهل يجوز لغير من أطَّر لمصطلح ان يعيد تعريفه كما يشاء؟ بمعنى آخر يجب إعادة تعريف وشرح المصطلحات حتى بالنسبة لبعض السياسيين لعدم إساءة استخدامها وبالتالي الإساءة لقضايا يظنون أنهم يخدمونها. لأنه وببساطة العلمانية لم نقم بالتأطير لها نحن ولا التنظير لها وإنما هناك من أسس لها وعرفها ووصفها ومارسها وتسمى علمانية الدولة ولا يوجد فرد علماني، وهذا خطأ اخر يقع فيه البعض، فيقول أحدهم أنا علماني قد يكون هو داعم للعلمانية ولكن ليس علمانياً لأن العلمانية هي علمانية الدولة وليس الفرد. وهي ببساطة أن تبعد الدين عن الدولة وتمحي وتمنع أي ملامح دينية وممارسات (فرنسا، تركيا اتاتورك) وغيرها كثر مثلها مثل أي تجربة سياسية قدمت التنظير منطقتنا درسها البعض عدل عليها وحذفوا وأضافوا وقايسوا بنظريات مشابهة واستنتجوا نتائج عدة منها الدولة المدنية أو ما يسميه بعض الشباب (تنظيرة نقد ) وأيضا قدم معالي الأستاذ الصادق المهدي منتوجاً فكرياً يعتقد فيه الأستاذ الصادق المهدي أنه مبني على فكر تجديدي للدولة الإسلامية على مبادئ حقوق الإنسان الآنية في تقديري ما اتفق فيه اليسار والوسط هنا أنهما كانا نزيهين ولم يوصفا ما أنتجوه فكريا أنه علمانية لأن عملية الإضافة والحذف لفكرة تعطي نتائج مختلفة بالتأكيد عليه تستوجب اسما جديدا. عدد من الدول قام بإعادة تعريف العلمانية وقولبتها بما يناسبها وإعادة تسميتها بالطبع وعدد قاموا بتطبيقها مثل المنبع فرنسا وعدد حاربوها وطبقوا غيرها من مفاهيم. حريتي تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين بالعودة إلى نقطة تسمية العلمانية وإصرار بعض الناس على استخدامها في توصيف ما يبذلونه من أفكار للجماهير وللأسف حتى من جزء كبير من الداعمين لمفاهيم مستوحاة من العلمانية يتناولونها بتعريف خطأً ويظنون أن هذه علمانية ويروجون لها عليه اقترح تفكيك المبذول فكريا في الساحة كمبدأ وما يرنو له عدد كبير بغض النظر عن علمانيتة من عدمها رغم أنه ليس علمانية ولو رغب المحبون لها. يقول إيمانويل كانط في الأمر القاطع: “تصرف فقط وفقًا للمبدأ الذي يمكنك من خلاله أن تصبح قانونًا عامًا”. وتم إعادة صياغتها اليوم إلى “حريتي تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.” لماذا استرشدت هنا بقول كانط لأنه وببساطة إذا رغبت أن تتصرف أي تصرف تجاه الآخرين أو معهم قم بقياس هذا التصرف هل ممكن أن يكون قانون عام يشمل الجميع بدون امتهان أو انتقاص لحق إنسان مثله مثلك مواطن في تلك البقعة التي تطلقون عليها اسم الوطن؟ “وزي ما بقولوا بالبلدي عندو في البلد دي والواطة دي عود زيك واحد”. بحيث أنك كإنسان -وبعكس ما ظلت تقوله وتنشره الطائفية الدينية أو بعض المجموعات الاثنية أو الثقافية –لست أفضل من إنسان آخر لا بلون ولا دين ولا عرق طالما وحدتكم الإنسانية لأن المفاضلة تتم في الأرض فيجب أن تتم حول أوسع ما يجمع ساكنيها وهو الإنسانية. في تقديري البسيط يلزمنا المرور أيضا على الطائفية وإن الأساس المادي لاستمرار الطائفية كتنظيم اجتماعي (الختمية، الأنصار، السلفيين، الحركة الإسلامية، الجمهوريين ) هو استمرار نمط الإنتاج الاستعماري (التابع) كتشكيلة اجتماعية اقتصادية، حيث تتجاور أنماط الإنتاج ما قبل رأسمالية وأنماط إنتاج رأسمالية مع بعض، بحيث أنه تعتبر الأيديولوجية الدينية والهيمنة الطائفية من أشكال إعادة الإنتاج التي تعبر عن أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية لأن التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية التي طبيعة الاستغلال فيها مباشر (استغلال مادي، فكري، اجتماعي) تحتاج لقوى ما ورائية أو قوى للهيمنة الحسية ونوع من علاقات الخضوع لإعادة إنتاج هذه العلاقات الاستغلالية لأنه يستحيل أن تسيطر مجموعات بسيطة علي جموع جماهيرية لتقوم خدمتها سياسيا ماديا وتضمن لها تفوق في أي صراع يستوجب الحشد له وقد تصل مرحلة أن يجوعوا ولا يتنازلون عن دعم تلك المجموعات المتصدرة إلا بمنطق مثل هذا. وعليه تقوم هذه القلة باستخدام هذه السطوة فقط لفرض سيطرتها والتعبير عن مصالحها ليس إلا بخصوص شرح علاقة الموضوع من منظوري الشخصي وحسب فهمي أن أحد أهم أسباب أزمتنا هو التناقض الطبقي والصراع الطبقي بين طبقة الكادحين بأنواعهم والطبقة البرجوازية المسيطرة وحلفائها. وحقيقة المشكلة أن مجموعات قليلة غير مسيطرة وإنما لها تأثير على مستوى الوعي الجماهيري من بعض ما يسمى بالنخب المثقفة تقوم بإرجاع أسباب أزمة سيطرة الطائفية إلى التخلف الحضاري للمواطن السوداني على الرغم من أنها كنخبة نفسها في صراع مع الطبقة المسيطرة وتربط الطائفية بالتخلف المشكلة هنا في تقديري أنهم ينظرون لموضوع الحكم والدولة من خلال فكر نفس الطبقة المسيطرة التي ينتقدونها. السبب الرئيس للأزمة المجتمعية وسيطرة الطائفية هو نتيجة وجود عوائق في انتقال البنية الاجتماعية إلى أشكال أخرى يعني انتقال نوع ونمط الإنتاج من شكل لآخر وهذا يخلق عائقاً يمنع هذا التطور كالانتقال مثلا من نمط رأسمالي إلى اشتراكي أو حتى تعاوني، وهذا شئنا أم أبينا يرمي بظلاله على أساليب الحوكمة التي من الممكن أن يتم دعمها أو رفضها من قبل الطبقات المسيطرة. لذلك يستلزم التركيز على حركة الصراعات الطبقية داخل البنيات الاجتماعية وتشخيص الأزمة باعتبارها هي نتيجة تبعية علاقات الإنتاج الحالية للسيطرة الاستعمارية السابقة أو الامبريالية الحالية. إن أي حركة تحرر في انماط الانتاج تعني تحرر الإنسان السوداني من الوضع الآني الذي يمكن النظر إليه كأزمة سيطرة طائفية، وهذا يلغي تماما سيطرة الطبقة المسيطرة لأنها دائما تحرص على أن تستمر علاقات الإنتاج تابعة وغير متحررة ومربوطة بهم عبر أي شكل من أشكال السيطرة إما عبر كليبتوقراطية (سيطرة مجموعات من اللصوص) تحميها أوليغاركية (مجموعات متنفذة في سدة الحكم) وإما نيوليبرالية (ذات توجه اقتصادي جديد متحرر معولم) وسوق حر تخدم مصالح الاستعمار الجديد وتدور في فلكها عبر ديمقراطية ليبرالية معلبة وحين لا يجدون ما يصبون إليه يقوموا بخلق صراعات حول اساليب الحكم والحوكمة او صراعات قبلية أو غيرها يتم استخدامها لتبرير الخطوات اللاحقة لفرض ما يسمى “هيبة الدولة” أو أمن مصالحهم في الحقيقة . واحدة من الأدوات التي تحرص الطائفية والأقليات المسيطرة الأخرى أن تحافظ عليها من أجل أن تحكم سيطرتها الطبقية على المجتمع هي أدوات القمع نجده في التاريخ السوداني الحديث يعود لزمن رفضهم لتحرير العبيد عبر مذكرة كرام المواطنين مرورا لبناء الأجهزة الأمنية القمعية الحالية لفرض السيطرة من أجل ذلك يكمن الحل في نشر الوعي بالحقوق الإنسانية وانتشال المجتمع من مستوى فلسفة الحكمة الشعبية البدائية المسيطرة عليه مثلما وصفها غرامشي، ولابد من أن يتم خلق التواصل بين المثقفين والبسطاء ليس من أجل الوحدة الفكرية في المستوى الجماهيري المنخفض، ولكن تحديدا من أجل أن تتكون كتلة فكرية أخلاقية تضمن توفر الفرص السياسية لتقدم الجماهير فكريا بديلا عن أن تتقدم مجموعات محدودة من المثقفين تمكنهم من أن يسيطروا على حركة الجماهير بتخديرهم بالشعارات الشعبوية وتنفيذ رؤاهم المرتبطة بمصالحهم وهم في أبراجهم العاجية مثلما ما حصل في المرحلة الفائتة من مشوار الحراك الثوري ضمن ثورة ديسمبر. ماذا نريد وما الذي يخدم واقعنا بالعودة إلى حرص البعض على فرض العلمانية نستخلص من الجدل المساق أعلاه، وباختصار إن أي قوانين دولة لابد وأن تحافظ على حقوق وحرية الجميع أكثرية كانوا أو أقلية وتحقق مفهوم حدود حريتي هي حدود حرية الاخرين وتهدم قالب ما يسمى بفرض هيبة الدولة واستخدامه للتغول على حقوق الآخرين باسمها أو فرض وصاية دينية يتغول بها البعض على حرية البشر بنفس السبب. أحد التجارب الجيدة والتي مورست في عدد من الدول هي ما يسمى بالنظام اللاطائفي من حقك تؤمن بما تريد تمارس ما تريد من دين أو قناعات بما لا يتخطى حقوق الآخرين والدولة لا تمنعك من ذلك فيما يخص الدولة كمؤسسات ينعدم فيها التمييز القائم على الدين، ولكن يسمح لمن يرغب أن يمارس دينه في مدرسته أو مكان عمله أو مجتمعه أن يمارسه (من ناحية مطلوبات لبس اكل أو عبادة) عكس العلمانية حسب تعريف المنبع لها أو تعريف من قام بالتأطير لها. وحتى في النظام اللاطائفي يسمح بفتح المدارس ذات الأساس الديني من أموال الراغبين في ذلك يتم للمسلمين مثالا عبر ديوان الزكاة وللمسيحيين عبر أموال ضريبة الكنيسة حيث الالتزام بالدين هو أيضا التزام مادي، ولكن المدارس الحكومية التي يتم الصرف عليها من أموال الضرائب لكل المواطنين هي مدارس محايدة تجاه الدين تقوم بتدريس الثقافة الدينية والأخلاق كمادة تنويرية فقط. وهنا محور الموضوع ومربط الفرس هل أنت ترغب في دولة محايدة تجاه الدين تضمن للمواطن أيا كان حرية المعتقد ومؤسساتها تقف نفس المسافة من جميع المواطنين مدنية أو لا طائفيه وتسمح وتحمي قيام مؤسسات دينية لكل المجموعات الدينية تحت رقابة الدولة المالية من تنظيم جمع أموال الزكاة الاختيارية للمسلمين أو ضريبة الكنيسة الاختيارية للمسيحيين أو اليهود وغيرهم حيث يستلزم تمتعك بمؤسسات دين أن تلتزم بالتسجيل في مؤسساته المالية أم ترغب في دولة تكون ضد الدين تمنع ممارسته في البرلمان أو المدرسة وتؤطر لمفهوم الدين شيء غلط “بغض النظر عن صحة أو خطأ المفهوم “وهذا تعريف العلمانية حسب من نظر لها ومن يرغب في تعديل النظرية يستلزمه تسمية اسم جديد لما يبذل من فكر لا أن يروج له باسم له مضامينه وتعاريفه أم ترغب في دولة تكون مع الدين وتحرص أن تجبر الجميع المخالفين لهذا الدين أن يدخلوا في صف طاعة فوانينه المنظمة لهم كأهل ذمه أو غيره من المسميات، وهي ترجمه لفعل ما يريده مشرع هذا الدين ويستجيبوا في ذلة صاغرين، ويرضوا عما يعطيهم له الدين في هذه الدولة، ناهيك عن اختلاف الناس في تفسير الدين نفسه على مر آلاف السنين وتحت أي طائفة فيه، وهذا ما يسمى بالدولة الثيوقراطية أو الدينية. وفيه حياد الدولة مع الأديان كما ينبغي هناك نقطة مهمة ينظر إليها البعض كثغرة يجب أن تغلق، وهي نقطة عدم قيام حزب على أساس ديني أن أي حزب في الوضع الراهن يقوم على أساس ديني سيقوم بافتراض الدين هو المحدد الأساسي والمقياس الذي عبره يتم تعريف السياسة وحقوق الآخرين وبذلك سيتم قولبة لحقوق الآخرين بمنظور ديني، وهذا غير مقبول للآخرين لأنو لو كان مقبولاً لهم لكان من باب أولى أن ينضموا لنفس الديانة. في مفهومي البسيط إن نظام الدولة يجب أن يكون مثل المرآه حيث يستطيع إي مواطن النظر إليه وأن يجد نفسه فيه بدون لا أفضلية لأغلبية ميكانيكية هنا حيث أن الاعتماد على الأغلبية الميكانيكية يعتبر عدم معالجة لجذور الأزمة.

 https://www.medameek.com/?p=84215…جميع الحقوق محفوظة لصحيفة مداميك، لقراءة المزيد قم بزيارة

Table of Contents

Share in

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Email
Related Post