بحث

العسكرةُ والحروبُ ومراكمةُ الرِّبح

ماهي العلاقة: ان علاقة العسكرة بالسيطرة المالية هي علاقة تُبلوِر سلطة وحكم الدولة ونمطها يندرج تباعا لها مجموعات الافندية والمثقفين المتقاطعون مع تلك المصالح حيث ان النضال الأساسي ضد العسكرة بجانب انه ينتمي إلى جوهر الديمقراطية الاشتراكية فانه يسلب تلك المجموعات السابق ذكرها ادوات هيمنتها ومصادر تكسبها. إن نبذ الصراع مع النظام العسكري يرقى في الممارسة العملية إلى إنكار الصراع مع النظام الاجتماعي الحالي بشكل عام حيث انه للعسكرة وظيفة محددة للغاية في تاريخ السلطة والسيطرة على رأس المال، حيث ترافق العسكرة خطوات مراكمة رأس مال في جميع مراحله التاريخية، انظر فترة ما يسمى ب “التراكم البدائي” ، في فجر رأس المال الأوروبي ،حيث لعبت العسكرة دورًا حاسمًا في غزو العالم الجديد واستعماره كمثال الهند وتحديدا أراضي التوابل ، وانظر بالخصوص الى غزو المستعمرات الحديثة وتدمير التجمعات الاجتماعية للمجتمعات البدائية والاستيلاء على وسائل إنتاجها . في مساعيها الحثيثة للنضال ضد العسكرة بكل انواعها عملت مجموعات الاشتراكين الثوريين امثال روزا و ليبنخت من خلال شرحهم لكل المعاني التي قد تعنيها العسكرة او تندرج تحتها حتى وصولا الى رفض عسكرة الطبقة العاملة او سيطرتها العسكرية على السلطة حيث وصفوها ضمن نقدهم للبلاشفة الروس انها عملية تمنع العامل من حقه حيث انه بقبوله وسماحه إجراء تخفيض فوري في أجره بمقدار معين، لكنه في مقابل قبوله بالعسكرة يفقد إلى حد كبير إمكانية النضال المستمر لرفع أجره وتحسين وضعه لانعدام الحرية تحت العسكرة. إنه اي العامل يفوز كبائع للعمالة او ساعات العمل، لكنه في نفس الوقت يفقد حرية الحركة السياسية كمواطن ليخسر في النهاية كبائع للعمل وساعاته تبعا لذلك. إنه يقضي على منافس من سوق العمل ليرى وصيًا على عبودية أجره، ويتجنب تخفيض الأجر، من أجل تقليص كل من احتمالات التحسين الدائم لوضعه وآفاق تحرره الاقتصادي والسياسي والاجتماعي النهائي. هذا هو المعنى الحقيقي “للارتياح او للقبول ” الاقتصادي لعسكرة الطبقة العاملة. – او عملية قبول العمال لحكومة عسكرية تتبنى ظاهريا مصالحهم – في هذه الحالة، كما هو الحال في جميع تكهنات السياسة الانتهازية، نرى التضحية بالأهداف العظيمة للتحرر الطبقي الاشتراكي لصالح مصالح عملية صغيرة في الوقت الحالي، وهي على كل حال مصالح بالإضافة لذلك تتضح أنها في الأساس خيالية عند فحصها عن كثب. اوربا تمتص دم أفريقيا فرنسا مثالا: دعنا نعود لوضعنا المعاصر اليوم ونأخذ فرنسا كمثال لاحد الدول ذات التوجه الرأسمالي العسكري في زمنا الحالي رغم تلحفها برداء التحرر والتقدمية فرنسا هي عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، هي رابع أكبر قوة عسكرية في العالم، وسادس أكبر مصدر للأسلحة، وتاسع أكبر قوة من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وثالث أكبر قوة من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر، ورابع أكبر بلد من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر في فرنسا، وسادس أكبر قوة مصدرة، وأخيرا رابع أكبر دولة من حيث الثروة لكل أسرة معيشية. وهكذا تحتل فرنسا مكانة خاصة من وجهة نظر العلاقات الإمبريالية وتراكم رأس المال وعلى الرغم من تراجع فرنسا على مستوى الاقتصاد العالمي منذ تسعينيات القرن العشرين، لا تزال باريس تتمتع بثقل لا يستهان به في لعبة القوة الدولية ويرتبط هذا الوضع ارتباطا مباشرا بالأشكال الخاصة تاريخيا للرأسمالية الفرنسية، التي يهمنا نحن ثلاثة عناصر منها بصورة خاصا هنا. العنصر الأول، في فرنسا على النقيض من بلدان أخرى مثل ألمانيا، حيث هناك قدرة أكبر كثيرا على الحركة الصاعدة للنخب فانه في فرنسا يعيد صناع القرار إنتاج أنفسهم من دائرة مغلقة للغاية لا يمكن الوصول إليها إلا للطبقات الحاكمة وترتبط هذه الخصوصية بالدور المركزي للدولة، الذي ورثه النظام الملكي المطلق إن جهاز الدولة، وأكبر الرؤساء والنخب الرائدة في الشركات الكبرى، وكلها تشكلت داخل مدارس النخبة الفرنسية الكبرى العامة، والبوليتكينيك، وما إلى ذلك، وهي مندمجة هيكليا معا. والعنصر الثاني هو الوزن الساحق للنزعة العسكرية ليس فقط من وجهة نظر الجهاز الصناعي، ولكن أيضا من وجهة النظر الاقتصادية والاجتماعية التي عبرت مع الإرث الاستعماري، الذي يعطي الإمبريالية الفرنسية نغميتها الخاصة للعالم الخارجي غير أن لهذا أيضا عواقب بالغة الأهمية على الصعيد الداخلي. وأخيرا، يرتبط العنصر الثالث أيضا بالدور الخاص للدولة فرنسا بلد توجد فيه رأسمالية من نوع المعاش، على عكس الرأسمالية الخالصة لريادة الأعمال، مما يعني أن الأعمال التجارية ترتبط ارتباطا وثيقا جدا بالدولة والصادرات. من أجل الحفاظ على نفسها على مستوى معين، تحتفظ الرأسمالية الفرنسية بعلاقات خاصة مع المستعمرات الأفريقية السابقة وتتيح هذه الصلات لفرنسا تعويض عجزها التجاري بالحصول منها على فائض تجاري في الصادرات، ودخول مالية كبيرة، وتأمين الوصول إلى كمية معينة من المواد الخام وفيما يتعلق بتدفقات رأس المال إلى المستعمر السابق، تلعب النخب والتسلسلات الهرمية الأفريقية دورا خاصا في عودة رأس المال إلى فرنسا من ساحل العاج والغابون وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلخ. بالإضافة إلى ذلك، فإن الرأسمالية الفرنسية ليست فقط مكانا للاستغلال بشكل عام، ولكن أيضا أهم شركاتها، مثل شركة توتال النفطية تسيطر على ثلث استخراج النفط في أفريقيا أو على الدور الخاص لبعض الشركات الفرنسية المتعددة الجنسيات، ولا سيما في قطاعات الهياكل الأساسية وفي قطاع الأشغال العامة والمباني، مثل بولوري أو فينشي أو لافارج. ولا تقتصر أهمية هذه الطبيعة الهيكلية على المستوى الاقتصادي، بل تترجم أيضا إلى المجال الجغرافي السياسي ومن وجهة النظر العسكرية، نلاحظ أولا أنه بين عامي 1969 و2009 كان هناك تدخل عسكري واحد على الأقل من جانب الجيش الفرنسي في أفريقيا كل عام وقد تغيرت هذه التدخلات مرارا وتكرارا في العقود الأخيرة بأشكال مختلفة ومع ذلك، لا تزال فرنسا لديها قواعد عسكرية دائمة وما لا يقل عن 7500 جندي في القارة الأفريقية. وهذا يعطي الجهاز العسكري الفرنسي موقعا متميزا للبدء في المناطق التي لم تكن في السابق أراضي فرنسية وينطبق هذا بشكل خاص على دول الخليج، وذلك بفضل الاتفاقيات الموقعة مؤخرا مع الإمارات العربية المتحدة وأبو ظبي في مجال التوريدات للأسلحة. ولا ينبغي التقليل من أهمية أفريقيا بالنسبة للسياسة الفرنسية حيث ان هناك إجماع، يمينا ويسارا، على الحفاظ على العلاقات القوية جدا مع أفريقيا – خاصة منذ عام 1981 وعلى الرغم من وعود اليسار بتغيير أو تكييف العلاقات القائمة بين باريس ومستعمراتها القديمة. وقد تم الحفاظ على هذه العلاقة أو تكييفها بشكل منهجي، ولكن فقط بمعنى أن كل رئيس أعاد بناء شبكته الفرنسية الأفريقية الخاصة حيث ان أفريقيا هي أرض الصيد الخاصة لقصر الإليزيه، وكذلك كل ما يرتبط بالإمبريالية الفرنسية قيادتها وأساليبها المختلفة، وكلها ليست ديمقراطية أبدا، لأن البرلمان لا يستشار أو يجتمع أبدا حول تلك السياسات وعلى المدى الطويل، استمرت هذه الروابط المتميزة والفريدة على الرغم من تطورات الرأسمالية في فرنسا ودور فرنسا على المستوى الدولي في الحرب العالمية الثانية. وما يجب أن نؤكده هنا هو أن خصائص الرأسمالية الفرنسية، من خلال معاشها التقاعدي وطابعها العسكري على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي والاجتماعي أيضا، تخلق باستمرار إمكانيات وميولا نحو بونابرتية حيث ترجع الميول البونابرتية في فرنسا إلى هيكل الرأسمالية الفرنسية وطبيعة الدولة وخصائصها للنظام، إن الواقع هو أن سياسيو فرنسا ليس لديهم حلول في ذروة ضروراتهم الفعلية لاستمرار السيطرة المالية الا للجوء للعسكرة خارجيا وداخليا ولو بالتدريج. الصراع العالمي اليوم: ان مثال فرنسا بدوره يشير إلى أزمات جديدة، صعودا وهبوطا، في المستقبل القريب بنفس القدر من لجوء الدول الرأسمالية للعسكرة والمليشيات كسياسات خارجية لزيادة ومراكمة الربح. وكما قال غرامشي يمكن للمرء أن يتنبّأ بالصرّاع فقط، لا بفصوله الفعليّة، فهذه الأخيرة ستكون مُحصّلةً لقوىً متعارضة في حركةٍ دائمة، يستحيل اختزالها إلى كميّات محدّدة، ففي الحركة يتحوّل الكمّ دائمًا إلى نوع. عليه لو نظرنا الى الولايات المتحدة يمكن للإنسان ان يسأل نفسه سؤال احصائي بسيط كم عدد الدول التي تدخلت فيها أمريكا عسكريا؟ وفقًا لكتاب كيلي ولايكوك (Kelly and Laycock’s)، غزت الولايات المتحدة أو قاتلت في 84 دولة من أصل 193 دولة معترف بها من قبل الأمم المتحدة وشاركت عسكريًا في 191 دولة من أصل 193 – وهي نسبة مذهلة بلغت 98٪. لقد ارتكب الأمريكيون الكثير من الأخطاء في التاريخ. علاوة على ذلك، فقد تسببوا في الكثير من المعاناة البشرية والموت والمآسي لأسباب جيوستراتيجية لقد كان لرؤساء الولايات المتحدة دور مهم في هذا ولم يتغير الكثير اليوم بشأن هذه السياسة العدوانية، بما في ذلك من قبل بايدن. وللأسف كعادتها الامبريالية تقوم امريكا بجر العديد من الدول في ذيلها حيث أصبحت دول مثل ألمانيا سويسرا ضمن عدد من الدول ايضا يد الناتو وتشارك بنشاط في الحرب ضد روسيا بدعم عسكري او مصرفي وروسيا هي نفسها ليست ببعيد عن السياسات الامبريالية وان كانت بصورة مختلفة عن الغرب. ان الحديث عن دائرة العسكرة والحروب والسياسيين ومصالحهم يطول ولكن ما يدور الان في العالم والسودان ليس في معزل هو ما وصفه غرامشي “بأزمة النفوذ” او يمكننا القول انها عملية اعادة ترتيب لصدارة الدول الامبريالية حيث تدور معركة كسر عظم بين الامبريالية الغربية والاوليغارك الروس يذهب ضحيتها المواطنون العزل في مناطق الصراعات والمستفيد منها هو من يظل واقفا عقب هذه المعركة ليشكل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة والعالم تباعا. كما يجب ان نستفيد نحن في دول الجنوب الفقيرة من هذه الحالة البينية في زيادة فرص التغيير الجذري لتنمو عبر بناء البدائل الشعبية الموازية من الاسفل الى اعلى لنستبدل النظام القديم باخر جديد يمثلنا بدون المرور بحالات الفوضى الخلاقة او نظريات الهدم البناءة “حيث ان القديم يحتضر والجديد لم يولد بعد وبينهما فراغ ستظهر فيه اعراض مرضية فظيعة للمجتمعات” غرامشي

https://www.medameek.com/?p=83283…جميع الحقوق محفوظة لصحيفة مداميك، لقراءة المزيد قم بزيارة

Table of Contents

Share in

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Email
Related Post