بحث

آفاق الوضع القادم

التطورات الحالية في السودان: بينما يزداد تفاعل المجتمع الدولي مع الوضع في السودان الآن عن ما قبل ديسمبر 2018 من خلال بعثات السلام والمبادرات الدولية وغيرها، هناك حاجة ماسة لمفهوم سياسي طويل الأمد من أجل دعم التغيير وتحقيق مصداقية سياسية. ومع ذلك ، لا توجد لدى الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي سياسة واضحة بشأن السودان حيث ترتكز سياساتهم على مبدأ التأثير الثانوي للسودان على المصالح الأساسية لهم لذلك يتركون بعض الدول الإقليمية تتدخل تدخلا سافرا لا يجيزونه في مناطق أخرى. رغم أن السودان لا يلعب دورًا رئيسيًا في السياسة الخارجية والتنموية العالمية بدأ يتفاقم دوره بعد انتباه العالم للتوغل الروسي الصيني في أفريقيا خاصة في الموانئ وأمن البحار والمياة العذبة. يصاحب تطور دور السودان الإقليمي تطور داخلي في موازين القوى، حيث عاد حزب المؤسسة العسكرية للتمسك بالسلطة مدعوما بعموده الفقري الحركة الإسلامية الذي حرصت على أن يكون ذلك مكانها في الجيش. حيث علمت الحركة الإسلامية من تاريخ السودان أن الجيش هو أهم وأقوى حزب سياسي في السودان، لذلك سعت للسيطرة عليه. يرافق ذلك التطور ميلاد المليشيات العسكرية والسيطرة القبلية عليها من قبل أمراء حرب استطاعوا أن يستفيدوا من الدعم القبلي لتحسين مراكز القوة الخاصة بمليشياتهم لم يكن وجود المليشيات في السياسة السودانية عاملا جديدا، ولكن الجديد فيه هو امتداد علاقات تلك المليشيات إلى العلاقات الدولية وتأثيرها في سياسات المنطقة عبر مشاركتها في حروب بالوكالة في المنطقة كخيار تكتيكي بدلا من الذهاب إلى السماء ذات البروج، كما أشار أحد قيادات تلك المليشيات المشارك في الحكم عبر اتفاقية جوبا. ومن أهم العوامل التي تطورت في الفترة السابقة هو تطور الحراك الجماهيري، وظهور بعض القوى الحديثة التي تسعى لتاسيس نهج لها منفصل عن النادي السياسي القديم وأمراضه، ولكنها رغما عنها تحمل بدواخلها نفس إشكالات المجتمع الذي أنتجها، حيث ساهم الوضع الاقتصادي والأمني في السنوات الماضية على ضعف تأثير المثقف العضوي عليها، ولكن المراقب للوضع يرى حركة دؤوبه لرفع الوعي وتطور ذاتي تمارسه الجماهير المكونه لتلك القوى وإن كان بطيئاً فهو راسخ. سيناريوهات التطور السياسي بناءً على التطورات الحالية في السودان الموصوفة أعلاه، يمكن وضع أربعة سيناريوهات مختلفة لمستقبل السودان من ناحية تحليلية بحته لا ترتبط بالأماني السندسية لكاتب المقال وهي “أفضل حل وأسوأ حل ” ثم “حالة جيدة وحالة سيئة”. في حين أن أفضل الحالات وأسوأها غير محتملة إلى حد ما، فإن التطور السياسي الحقيقي سيتراوح بين “الحل الجيد والسيئ”. في النهاية، تختلف السيناريوهات من حيث درجة تأثر مصالح الدول العالمية بتلك السيناريوهات وقدرة التنظيمات الحديثة والقديمة على التوافق والتكامل السياسي أو الاستقطاب الحاد على طرفي النقيض. يعتمد السيناريو الأفضل أو ما يمكن أن نسمية أفضل حل على افتراض أن الحراك الثوري يستطيع الوصول إلى محطة تشكيل قاعدة جماهيرية واسعة منظمة تملك وتعطي الشرعية عبر عضويتها الضخمة لمجموعات منتخبة عبر مجالسها المحلية والإقليمية تجبر النادي القديم وبعض القيادات العسكرية والقوى الإقليمية على الرضوخ لتلك الشرعية وبدء مشوار التغيير الانتقالي الذي ينتهي بانتخابات ديمقراطية تشكل حكومة منتخبة، قد يوفر هذ السيناريو الأساس لحل النزاعات الإقليمية الجارية، ويؤدي إلى دمقرطة حقيقية في البلاد على الرغم من أن هذا السيناريو غير مرجح، إلا أنه يتوافق مع رغبة أعداد كبيرة من الجماهير التي ظلت تملأ الشوارع طيلة السنوات الثلاث الماضية لذلك، يمكن لهذا السيناريو أن يخدم القوى السياسية الحديثة (الطلاب والخريجين والمعطلين) والحركات الإقليمية كنقطة مرجعية للتعبئة الاجتماعية والسياسية، حيث يأمل الشباب في المناطق الحضرية على وجه الخصوص بالفعل في “انفتاح” سياسي يمكن من خلاله لكل من الأحزاب والمجتمع المدني إظهار مهاراتهم في حل المشكلات. السيناريو الأسوأ، أو ما يمكن أن نسمية أسوأ حل، هو بلا شك زعزعة الاستقرار السياسي وتفكك السودان وقيام صراع مسلح داخل المناطق الحضرية بين المؤسسة العسكرية والمليشيات المسلحة، مما يجبر بعض القوى الحديثة أن تتبع المسار المسلح للبقاء وإنفاذ رؤاها في التغيير لم يعد من الممكن استبعاد مثل هذا السيناريو، ليس فقط في الأقاليم ولكن أيضًا في وسط البلاد، حيث يمكن أن يواجه النظام بسهولة الحراك الثوري بالبندقية وسفك الدماء مثلما ظل يفعل في عدة مقاطعات (دارفور، شرق السودان، كردفان) الشيء الذي أصبح أيضا معتادا في بعض المدن والعاصمة. في حالة حدوث سيناريو الحل السيء فإنه يرتكز على حقيقة أن الإسلاميين الحاكمين في الخفاء على خلاف داخليًا فإنه تحت الضغط الداخلي والدولي المتزايد، يمكن أن ينهار مركز القوة ببساطة كما هو الحال في كثير من الأحيان في السودان، يمكن أن تكون إحدى الطرق للخروج من هذا الوضع هي الانقلاب بمساعدة الجيش، وقد يجدون الاعتراف الدولي مثلما حدد في دراسة حررها مانفريد أوم – الممثل القطري لمؤسسة فريدريش إيبرت في الخرطوم في العام 2006 – بعنوان “الانتقال السياسي في السودان بدون تغيير في السلطة ” حيث أورد مانفريد : ” يمكن للإسلاميين المعتدلين التخلص من المتشددين الأيديولوجيين في النظام وربما تسليمهم إلى محكمة الجنايات في لاهاي إذا أعلنوا بعد ذلك عن الانتخابات، فيمكنهم التأكد تقريبًا من دعم المجتمع الدولي لكن في النهاية، ستكون هذه مناورة لضمان بقاء حزب المؤتمر في السلطة”. تتم مناقشة مثل هذه السيناريوهات بعبارات واضحة في الخرطوم وفي الإعلام المحلي والعالمي – وبالنظر إلى عدد الجماعات المسلحة المتمركزة في الخرطوم ، لا يمكن للأسف استبعاد النزاعات المسلحة في العاصمة. في حالة حدوث السيناريو الذي يمثل الحل الجيد أوما يسميه البعض بالسلام الاستبدادي نتيجة الاستقطاب السياسي الحاد بين مكونات الساحة السياسية فإن بعض الدول الإقليمية الداعمة لمليشيا الدعم السريع والحريصة على تصفية نظام الحركة الإسلامية من كافة هياكل الدولة وخصوصا المؤسسة العسكرية ستكون ضمن تشكيل السلام الاستبدادي للمرحلة القادمة في السودان، حيث ستقوم بحمل وزر تصفية الإسلاميين وفصلهم مثلما فعلوا هم أنفسهم في بداية التسعينيات، وتقوم بفتح أبواب الاستثمارات لبعض أصحاب رؤس الأموال المالكين لبنية تحتية تمكنهم من التحرك في السودان ليخلفوا سلاطين رأس المال السابقين لهم من الإسلاميين. نتيجة لذلك سيقود هذا التحالف البلاد تحت هذة المظلة الاستبدادية بتوفير بعض فرص العمل ونوع من النماء النسبي لمهادني تلك السياسات وتحت رحمة السوق الحر سيزداد الغني غنى والفقير فقرا، وغلق بعض الملفات الحدودية عبر حلول تراكم من مصالح تلك القوى على حساب مصالح أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير. تشير الأشهر القليلة الماضية منذ حدوث انقلاب خمسة وعشرين أكتوبر إلى أن السيناريو الأخير – سلام استبدادي مع تزايد الاستقطاب السياسي – آخذ في التبلور. في حالة بقاء الحال على نفس الوضع الآني من استقطاب حاد وتوتر وإجراء الانتخابات المخطط لها في العام 2023، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تقسيم السودان وتفعيل الخيار الأسوأ على عكس جميع الالتزامات الدولية بوحدة البلاد، فإنه في هذه الحالة الأكثر ترجيحًا سيشن الإسلاميون السودانيون من داخل المؤسسسة العسكرية الحرب ضد أي خيار لايشملهم في المستقبل وسيحرصون على أن تكون حرب شاملة حتى يمكنهم تحقيق مصالحة سهلة وسريعة. ومع ذلك، فإن هذه الاحتمالات على وجه التحديد هي التي تجعل تنفيذ الانتخابات المعلنة بدون حل يسبقها غير محتمل إلى حد ما، لأن ذلك لا يبدو مناسبًا لأحزاب النادي السياسي القديم في السودان أو للقوة الإقليمية مصر التي تعاني من ما يحدث في ليبيا.

https://www.medameek.com/?p=96127…جميع الحقوق محفوظة لصحيفة مداميك، لقراءة المزيد قم بزيارة

Table of Contents

Share in

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp
Email
Related Post